رصيف22
تواطأ القادة السياسيون في الدول الغنية مع أصحاب الشركات العملاقة لاحتكار النفوذ والأرباح بترويج وعود كاذبة عن التعافي العادل من وباء كوفيد-19 لمعالجة أوجه عدم المساواة الراسخة.
وتقاعس المجتمع الدولي عن مواجهة تضاعف النزاعات على نحو مهّد لمزيد من التصعيد. ووقع أشد الضرر على الفئات الأكثر تهميشاً في العالم، لا سيّما في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. كما فاز مرتكبو الجرائم المؤثَّمة بموجب القانون الدولي، وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بحصانة من العقاب في جميع الدول تقريباً.
وعندما كان العالم في أمسّ الحاجة إلى الأصوات المستقلة، تنامى الاتجاه التراجعي إلى إسكات أصوات المعارضة.
كانت هذه أبرز عناوين تقرير حالة حقوق الإنسان في العالم لعام 2021 الصادر عن منظمة العفو الدولية، الثلاثاء 29 آذار/ مارس.
التقرير الواقع في 171 صفحة، وجد في تحليله للأوضاع في 154 دولة أن مسؤولي الدول الغنية خدعوا الناس بشعارات جوفاء ووعود كاذبة عن التعافي على أساس عادل من الوباء بينما كانوا يخططون لتحقيق الربح والنفوذ "على حساب البشر"، وهو ما عدته "إحدى أكبر عملية الخداع في عصرنا".
وخلص التقرير إلى أن تحالف السلطة والمال، ممثلاً في شركات التكنولوجيا العملاقة، "تسبب في تعميق أوجه عدم المساواة في العالم" لأسباب عدة، أبرزها "جشع الشركات البغيض، والأنانية القومية الوحشية، وتجاهل البنى الأساسية الصحية والعامة من جانب الحكومات حول العالم".
"عمّق أوجه عدم المساواة في العالم"... العفو الدولية تقول إن القادة السياسيين والشركات العملاقة تحالفوا لأجل تحقيق الأرباح والنفوذ "على حساب البشر" في عام 2021
ملامح الحالة الحقوقية المتدهورة
وسجلت المنظمة "انتشاراً مقلقاً" لقمع حرية التعبير، وحرية التجمع السلمي في جميع أنحاء العالم إذ سنّت 43% من الدول التي شملها التقرير قوانين مقيدة لحرية التعبير السلمي، فيما استُخدِمت القوة المفرطة غير الضرورية ضد المتظاهرين في 55% من هذه الدول، واعتّقل مدافعون عن حقوق الإنسان تعسفياً في 54% منها.
من أبرز المآخذ الأخرى التي حددها تقرير العفو الدولية تقويض النجاحات في مجال اللقاحات، وهو ما أحاله إلى "جشع الشركات وهيمنة المصالح القومية".
فبينما لاح تسارع توزيع اللقاحات المضادة لفيروس كورونا عصاً علمية سحرية تُنعش الآمال بإمكانية إنهاء الوباء، ومع إنتاج لقاحات تكفي لتطعيم جميع سكان العالم خلال العام المنصرم، انتهى العام ولم يحظ بالتطعيم الكامل سوى أقل من 4% من سكان الدول المنخفضة الدخل.
وشدد التقرير على أن أضرار ذلك كانت "أكثر وضوحاً وقسوة" في أفريقيا حيث أنه، بحلول نهاية عام 2021، كان أقل من 8% من سكان القارة قد حصلوا على التطعيم الكامل، ما يجعلها أقل القارات من حيث تطعيم سكانها.
ويعدّ احتكار الدول الغنية كميات من جرعات اللقاحات أكبر مما تحتاجه، وغض شركات الأدوية الكبرى الطرف عن ذلك لتحقيق الأرباح ولو على حساب البشر، سببين رئيسيين وراء ذلك، وفق العفو الدولية.
وشمل التقرير معلومات مفصّلة عن الحق في الحياة والحق في التعليم والحق في الغذاء والحق في الرعاية الصحية والعنف ضد النساء والفتيات وحقوق المهاجرين واللاجئين والنازحين داخلياً وحقوق الأطفال وحقوق أفراد مجتمع الميم-عين والحفاظ على البيئة وحرية التجمع والتعبير وعقوبة الإعدام في الدول المشمولة.
العفو الدولية: مسؤولو الدول الغنية خدعوا الناس بشعارات جوفاء ووعود كاذبة عن التعافي على أساس عادل من الوباء بينما كانوا يخططون لتحقيق الربح على حساب البشر في إحدى أكبر عملية خداع في عصرنا
الإفلات من العقاب آفة منتشرة في الشرق
في ما يخص الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحديداً، ركّز التقرير السنوي على أربعة مجالات شهدت المزيد من الانتهاكات الجسيمة، أولها استمرار التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة داخل أماكن احتجاز رسمية وغير رسمية في 18 بلداً على الأقل، بما في ذلك لانتزاع "اعترافات" قسرية.
واتهمت العفو الدولية السلطات في مصر وليبيا والسعودية ولبنان وفلسطين، من بين دول أخرى في المنطقة، بالتقاعس عن التحقيق في أسباب وملابسات وفيات مُشتبه بها أثناء الاحتجاز، مع وجود شُبهات تعذيب وحرمان من الرعاية الصحية.
كذلك وجدت العفو الدولية أدلة على تقاعس السلطات في أنحاء المنطقة عن حماية العمال ذوي الدخل المنخفض من فقدان وظائفهم أو أجورهم، حتى تلك المترتبة على التبعات الاقتصادية للوباء.
ورصدت المنظمة قمع بعض الحكومات لحقوق العمال المشاركين في إضرابات وتقاعسها عن نُصرة المفصولين ظلماً. في مصر، على سبيل المثال، صدر قانون جديد يجيز الفصل التلقائي لعمال القطاع العام المدرجين على "قوائم الإرهاب".
ولم تتحسن معدلات العنف ضد النساء والفتيات، واستمر الإفلات من العقاب من نظم العدالة الجنائية في أنحاء المنطقة. ولم تتوقف جرائم القتل المزعومة "بدافع الشرف" في الأردن والعراق والكويت وفلسطين.
في ليبيا، مثلاً، اتهمت العفو الدولية السلطات بالتقاعس عن توفير الحماية والإنصاف للنساء والفتيات من الاغتصاب وأشكال العنف الأخرى القائمة على النوع الاجتماعي.
علاوة على ما سبق، ظل أفراد الأقليات الدينية في أنحاء المنطقة يواجهون "تمييزاً راسخاً" في القانون والممارسة، بما في ذلك حقهم في حرية العبادة. ضربت العفو الدولية مثالاً ما يجري في مصر حيث "تعرَّض أفراد من أقليات دينية وأفراد وُلدوا لآباء تُعرِّفهم السلطات بأنهم مسلمون للقبض عليهم ومحاكمتهم واحتجازهم تعسفياً بسبب مجاهرتهم بما يعتنقون من عقائد دينية أو تعبيرهم عن معتقدات لا تقرها السلطات".
وأضافت أنه في ليبيا "عانت الأقليات العرقية من التمييز المجحف، مما حدَّ من سُبل حصولهم على الوظائف والمناصب السياسية والخدمات الأساسية، بما في ذلك التعليم والرعاية الصحية، ومثّل ذلك كله انتهاكاً لحقوقهم اللغوية والثقافية".
أنييس كالامار: المقاومة الملموسة والمثابرة التي أبدتها حركات الناس هي بمثابة صرخة مدوية من أجل عالمٍ أكثر عدلاً… ينبغي علينا أن نقاوم كل محاولة لإسكات أصواتنا، وأن نتصدى لكل بادرة للخداع
تركة ثقيلة من عدم المساواة
في تعقيبها على نتائج الرصد السنوي لحالة حقوق الإنسان، قالت أنييس كالامار، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية: "كان ينبغي أن يكون عام 2021 عاماً للتعافي واستعادة الحيوية، ولكنه بدلاً من ذلك أصبح مرتعاً لمزيد من انعدام المساواة وانتفاء الاستقرار"، معربةً عن ألمها لأنه "سوف تستمر ويلات هذه التركة لسنوات قادمة".
وأضافت: "لقد راح قادة العالم، واحداً بعد الآخر، يلوِّحون بوعودٍ عن ‘إعادة البناء بشكل أفضل‘ لمعاجلة أوجه عدم المساواة المترسِّخة، التي فاقمت آثار الوباء. ولكن بدلاً عن ذلك، أظهروا شكلاً مأسوياً للخداع والجشع بالتواطؤ مع الشركات العملاقة".
واتهمت المسؤولة الحقوقية النخبة من الدول والشركات الغنية بأنها كانت تقدم الوعود في العلن وتنقضها في السر، مشيرةً في الوقت ذاته إلى سماح شركات وسائل التواصل الاجتماعي لخوارزمياتها بنشر معلومات مضلِّلة وضارة عن كورونا على حساب الحقيقة لتحقيق مكاسب. وأضافت أن القادة السياسيين ساهموا إلى حد كبير بترويج معلومات مضلِّلة من أجل مصالحهم السياسية، وهو ما عزز الخوف وانعدام الثقة لدى المواطنين.
في ليبيا "عانت الأقليات العرقية من التمييز المجحف، مما حدَّ من سُبل حصولهم على الوظائف والمناصب السياسية والخدمات الأساسية، بما في ذلك التعليم والرعاية الصحية، ومثّل ذلك كله انتهاكاً لحقوقهم اللغوية والثقافية".
وأوصت العفو الدولية في ختام تقريرها بأن تقوم الحكومات والمؤسسات بالإيفاء بوعودها، وبناء سياساتها بغية التصدي للوباء والتعافي منه على أساس مبادئ حقوق الإنسان، وتسهيل إجراء حوار حقيقي مع مؤسسات المجتمع المدني كشريك في التوصل إلى حلول.
وشددت كالامار على أن "المقاومة الملموسة والمثابرة التي أبدتها حركات الناس هي بمثابة صرخة مدوية من أجل عالمٍ أكثر عدلاً… ينبغي لنا أن نقاوم كل محاولة لإسكات أصواتنا، وأن نتصدى لكل بادرة للخداع".