كاتب: Alisa Shishkina
مصدر: Russia Seeks Pathways for Disaffected Young Muslims
يبدو أن الإسلام يزداد انتشارًا في جنوب روسيا؛ مما يطرح بعض الأسئلة المعقَّدة على السلطات الروسية التي تشعر بالقلق إزاء ذلك. وحول هذه الموضوع، نشر موقع «مركز تحليل السياسات الأوروبية» مقالًا لأليسا شيشكينا، باحثة في مركز تحليل السياسة الأوروبية، سلَّطت فيه الضوء على تحول كثير من الشباب الروسي، لا سيما في القوقاز، إلى الإسلام، مشيرة إلى أن السلطات الروسية تحاول استيعاب هؤلاء الشباب من خلال توفير عدة مسارات تساعدهم على التعايش داخل المجتمع الروسي الواسع.
في بداية مقالها، تشير الكاتبة إلى أن مناطق شمال القوقاز أصبحت معرضة بشدة لنشوب النزاعات بسبب المخاوف من تطرف الشباب المسلم، وهو وضع تفاقم بسبب المطالب المتزايدة بصورة ملحوظة خلال العقود الأخيرة لممارسة الشعائر الدينية بين الشباب. وهذا الأمر يثير قلق القيادة الروسية. فلماذا يتحول الشباب إلى الإسلام، وما الذي يحصلون عليه نتيجة ذلك؟
أزمة قيم وبحث عن هوية
توضح الكاتبة أن التحول السياسي والاقتصادي الذي حدث خلال العقود الأخيرة غيَّر أُسس معظم مجتمعات شمال القوقاز، وأنشأ ظواهر جديدة، بما فيها الاهتمام المتزايد بالدين، الناتج عن غياب الهوية الأيديولوجية التي كانت توفرها الشيوعية في السابق.
وكان التحول بعد حقبة الشيوعية سببًا في الهجرة الجماعية لسكان الريف إلى المدن، مما أدَّى إلى ضبابية «قوانين اللعبة» التقليدية في المجتمع: وهكذا لم تعد للسيطرة التي يمارسها الأقارب داخل العائلات الكبيرة دورًا مؤثرًا، في حين لم يكن المستوطنون قد استوعبوا قواعد المجتمع الجديد بعد. ونتيجةً لذلك تكوَّنت مجموعة تعاني من أزمة قيم وتبحث عن أيديولوجية موحَّدة جديدة وجهات منظمة جديدة للسلوك الاجتماعي.
وبسبب هذه التغييرات شهد شمال القوقاز، لا سيما إنجوشيا، والشيشان، وداغستان، تلك الجمهوريات التي توجد فيها نسبة عالية من المسلمين، عودة كبيرة لظاهرة «الأسلمة». وبالإضافة إلى ذلك شهد انهيار الاتحاد السوفيتي عودة ظهور مطالب إحياء مكانة الدين التي جرى إلغاؤها لعقود. ونتيجةً لذلك استرد الدين الإسلامي نشاطه وأصبح اعتناقه شكلًا جديدًا للهوية بين الشباب.
إلا أن الأمر لا يتعلق فحسب بجاذبية العقيدة الإسلامية والافتتان بها، لكنه يسهم في إبراز الصراع بين الأجيال. وفي حقيقة الأمر تُعد الاهتمامات الدينية لعديد من الشباب وسيلة للاحتجاج على آبائهم الأكثر علمانية، والذين يعيشون على ذكريات التجربة السوفيتية. ويعارض الآباء في شمال القوقاز في كثير من الأحيان انخراط أولادهم في أي عقيدة دينية خشيةً على سلامتهم؛ مما قد تمارسه ضدهم الجهات المعنية بإنفاذ القانون، بحسب الكاتبة.
التعليم الإسلامي في شمال القوقاز
تُنوِّه الكاتبة إلى أنه في ظل هذه الظروف ظهرت عدة مجموعات متطرفة في شمال القوقاز. لكن الأهم من ذلك ملاحظة أن الشباب المثقف المقيم في المدن قد اعتنق الإسلام من تلقاء نفسه في أحيان كثيرة، ويحرصون على تلاوة القرآن دون توجيهات دينية. وقد استخدم كثيرٌ منهم ذلك لتسويغ إستراتيجيات معيشتهم.
وعلى سبيل المثال تدرك الفتيات أن بمقدورهن إدارة أعمالهن الخاصة وليس عليهن الانصياع لمطالب الأبوين بالزواج في أقرب وقت ممكن. وهناك نوع آخر من الشباب الذين يعتنقون نسخة أكثر علمانية من الإسلام بدأ في الظهور، ويستخدمون تلك النسخة بوصفها وسيلة للانحراف عن آراء الجيل الأكبر سنًا وتوجهاتهم، ومن ثمَّ الابتعاد عن توجهات نمط الحياة الريفية والسوفييتية.
وفي الوقت نفسه، أرسى شمال القوقاز، لا سيما داغستان، تراثًا وتقليدًا للتعليم الإسلامي، بما فيه التعليم الجامعي. ومن بين حوالي مئة مؤسسة جامعية مسجَّلة في وزارة العدل، يوجد معظمها في الشيشان وداغستان. ويدرس حوالي 3 آلاف طالب في الجامعات الإسلامية بداغستان كل عام.
ويبدو أن هذا يُعد انعكاسًا لمساعي السلطات ومحاولاتها لإيجاد أرضية مشتركة في الإطار الديني. كما أنه يوفر للسلطات الروسية والإقليمية أداة للتعامل مع المسألة ومعالجتها: تلبية فورية لاحتياجات الشباب لأنماط جديدة من التحديد الذاتي للهوية، والحد من مستوى التطرف من خلال المسارات «السليمة» لتقديم الدين الإسلامي لهم.
ما فرص المتخرجين من الجامعات الإسلامية؟
تتساءل الكاتبة عن النتائج التي يُمكن أن يحصل عليها الشباب المهتمون اهتمامًا صادقًا بالدين من خلال الدراسة في الجامعات الإسلامية؟ وتظهر نتائج المقابلات والدراسات الاستقصائية التي أُجريت في هذه المؤسسات الإسلامية في داغستان أن فرص هؤلاء الشباب تصبح محدودة جدًّا عندما يكملون دراستهم.
وبصفة عامة يُمكن توظيفهم في العمل الديني والعمل أئمة للمساجد، أو يمكنهم البقاء في نظام التعليم الإسلامي ليكونوا مُعلِّمين. وتؤدي عدة عوامل، مثل الظروف المعيشية القاسية، والانعزال المعلوماتي عن العالم الخارجي والانضباط الصارم، والتعليم وفقًا للنماذج المعتمدة مسبقًا، التي تمنع الفهم النقدي المستقل للنصوص المقدسة، إلى ضيق الأفق فيما يتعلق بفهم الدين، بحسب الكاتبة.
وبينما يوفر مثل هذا التعليم إلمامًا جيدًا باللغة العربية بالتأكيد، فإن هذا لا يسهم في تهيئة فرص عمل خارج روسيا. ووفقًا لمقابلات أُجريت مع مراكز تعليمية إسلامية في الشرق الأوسط، هناك حظر فعلي يُفرض على العلماء المسلمين الروس من الحصول على دورات تدريبية خارجية وغيرها من الأنشطة الدولية؛ مما يحد بلا شك من قدرة الشباب على البحث عن خيارات عمل أخرى.
وتختم الكاتبة مقالها بمحاولة التعرف على البدائل التي تقدمها الجامعات الإسلامية في شمال القوقاز لمتخرجيها. ووفقًا لعدد من المقابلات التي أُجريت، يُمكن لتلك الجامعات أن تُقدم لطلابها المتخرجين وظائف في نظام خدمة السجون الفيدرالية، حيث يُعيَّن الخريجون من أجل مراقبة الأوضاع في السجون والإبلاغ عن النزاعات المحتملة. ومن المؤكد أن هذه وظيفة ستوفر لقمة العيش، وتستدرك متسائلة: هل هذه هي الهوية التي كان يسعى الشباب المسلم إلى تحقيقها عندما هجروا القرية ورحلوا إلى المدينة؟