إبراهيم درويش:
لندن – “القدس العربي:
قال الباحث في مجموعة صوفان بنيويورك كولن بي كلارك إن أفغانستان بعد مرور عام على سيطرة طالبان تبدو مكانا خطيرا، فطالبان هي الحكومة الفعلية فيها وتمارس العقاب وتضرب الأفغان الذين يخالفون تعاليم الجماعة المتشددة. وإلى جانب الانهيار الاجتماعي والاقتصادي ربما تحولت أفغانستان مرة أخرى إلى ملجأ آمن للإرهاب الدولي ومنظمات العنف المتطرف.
وقال كلارك بمقاله الذي نشرته صحيفة “لوس أنجلس تايمز” إن الوضع في أفغانستان سيزداد سوءا قبل أن يتحسن، وذلك مع وصول طالبان إلى السلطة صيف العام الماضي وحصول القاعدة على عقد جديد للحياة. ولم تتحول أفغانستان بعد إلى دولة فاشلة حيث تتمكن جماعات مثل القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية من شن هجمات منها ضد الغرب، إلا أن مسؤولين بارزين في الدفاع والاستخبارات قلقون من قدرة الجماعات الجهادية في داخل البلاد على تطوير قدراتها الدفاعية مع مرور الوقت.
وتحتاج أي منظمة إرهابية لعامين لكي تقوم بالتجنيد والتدريب ونشر المتشددين لتنفيذ هجمات إرهابية، حسب تقييم لرئيس هيئة الأركان المشتركة مايك ميلي وعدد آخر من المسؤولين. وقبل مقتله بغارة أمريكية تمتع زعيم القاعدة أيمن الظواهري بحرية الحركة في أفغانستان، حسب تقرير “فريق الرصد” التابع للأمم المتحدة الذي أصدر بالربيع. ونتيجة لهذا أصدر الظواهري عددا من أشرطة الفيديو وتزامن “شعوره بالراحة وقدرته على التواصل” مع “توطيد حلفاء القاعدة الرئيسيين سلطتهم” في داخل إدارة طالبان الفعلية. وكان شعوره بالراحة والقدرة على التحرك في أفغانستان سببا في مقتله، وكان وجوده في العاصمة كابول إشارة عن العلاقة الوثيقة بين القاعدة وطالبان- حيث وفرت الأخيرة للقاعدة مكانا لكي تعمل منه.
وفي حزيران/يونيو قال مراسل لصحيفة “وول ستريت جورنال” إن الجنرال مايكل كوريلا، قائد القيادة المركزية في الشرق الأوسط كشف عن حصول الولايات المتحدة على معلومات أمنية تؤكد أن الجماعة الإرهابية تقوم ببناء معسكرات تدريب لها في داخل أفغانستان. وأضاف كلارك أن محاولة إعادة بناء القدرة على التخطيط والتنفيذ لشن هجمات بالخارج تحتاج إلى وقت، حيث يحتاج الإرهابيون لإعادة تشكيل الخدمات اللوجيستية وتحديد البيوت الآمنة وتحديث شبكة الاتصالات وقدرات النقل.
ويظل الهدف الرئيسي لجماعات مثل القاعدة وتنظيم الدولة هو التخطيط وتنفيذ هجمات كبرى في دول أوروبية. ومن المستحيل أن تقوم حركة إرهابية بتكرار هجوم على مستوى هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001. فالجهاديون على وعي بتطور قدرات مكافحة الإرهاب في الغرب، ولهذا فأي هجوم يتم شنه ربما أشبه بتلك التي نفذت في مدريد عام 2004 ولندن عام 2005، والتي استهدفت وسائل نقل. وعادة ما تؤدي هجمات كهذه إلى ضحايا كثر. ومن الأهداف الأخرى استهداف السفارات الغربية، مثل تلك التي نفذت في شرق أفريقيا عام 1998 أو التركيز على أهداف ناعمة مثل الفنادق التي يرتادها الغربيون، كما فعلت الجماعات المرتبطة بالقاعدة في أندونيسيا عام 2003 ومرة أخرى في إسلام أباد، باكستان عام 2009.
والأساليب التي يستخدمها الإرهابيون متطورة بشكل أفضل من تلك المستخدمة عندما كانت القاعدة في أفغانستان. وأدخل تنظيم الدولة الإسلامية أمرا جديدا وهو “النموذج التخطيطي الافتراضي” ويقوم فيه الناشطون الإرهابيون في بلد باستخدام تكنولوجيا مشفرة مع ناشطين في بلد آخر. ويلتقي المخططون الإرهابيون والمهاجمون في معظم الحالات عبر الإنترنت. ومع تحول أفغانستان إلى منطقة موائمة للجماعات الإرهابية، فستكون لديهم المساحة للقاء والتآمر والتخطيط لهجمات، وربما حاول أفرادها تشجيع الجماعات المحلية في أمريكا وأوروبا للقيام بهجمات إرهابية. وطالما حاول قادة طالبان حرف اللوم على الولايات المتحدة لفشل حكومتهم منذ العام الماضي. وقال المتحدث باسم حركة طالبان، ذبيح الله مجاهد إن الولايات المتحدة “أكبر عقبة” للاعتراف الدولي بحكومة أفغانستان. واتصلت حكومة طالبان مع 30 دولة في لقاءات زادت عن 350 لقاء إلا أن أيا من هذه الدول لم تعترف بها.
وربما كان من الأولى بذبيح الله وقادة طالبان النظر إلى الصورة الأوسع في أفغانستان، حيث أصبحت الحياة أكثر صعوبة منذ وصولهم إلى السلطة وحرمان الأولاد والبنات من الحقوق وانهيار الاقتصاد، إضافة لوباء كوفيد-19 والهزة الأرضية في حزيران/يونيو التي قتلت 1.100 أفغاني وشردت أعدادا لا تحصى وفاقمت البؤس والمعاناة. والصورة المؤلمة لأفغانستان بعد عام من الانسحاب الأمريكي تؤلم القلب. وكما هو واضح من الطائرة المسيرة التي قتلت الظواهري فالولايات المتحدة تتعامل مع واجبها لمنع تحول أفغانستان إلى ملجأ للإرهاب بمسؤولية كاملة.
ورغم أن العملية هي مثال عن نجاح مكافحة الإرهاب من وراء البحار وإرسال طائرة مسيرة إلا أنها عملية واحدة، فهناك نقص لدى الولايات المتحدة في “العيون والآذان” على الأرض. وفي منتدى أسبين، قال مستشار بايدن للأمن القومي، جيك سوليفان إن الرئيس ليس نادما على سحب القوات القتالية من أفغانستان وسيتم فحص قراره لو تم شن هجوم كبير ضد الغرب من أفغانستان وسيزيد الضغط كي ترسل أمريكا قواتها مرة أخرى إلى جنوب آسيا.