أثبتت دول المنطقة نجاحاً كبيراً في محاربة التطرف فكرياً وإعادة دمج المتطرفين اجتماعياً ونفسياً وذلك عبر اعتماد برامج تشمل المناصحة الفكرية وتأهيل المتطرفين، وتبنت دول المنطقة مبادرات بالشراكة مع دول أوروبية للعمل على الاستفادة من مواقع التواصل الاجتماعي لتضييق الخناق على الجماعات المتطرفة والمعلومات المضللة التي تروج لها تلك الجماعات.
المملكة العربية السعودية وبرنامج المعالجة الفكرية للمتطرفين
لعبت المملكة العربية السعودية دوراً رائداً في 25 أغسطس 2022 في إعادة دمج المتطرفين اجتماعياً ونفسياً من خلال برنامج “المناصحة والرعاية” الذي تم إطلاقه عام 2007 ويشمل برنامج المناصحة الفكرية ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى المعالجة الفكرية للمتطرفين: تضم مجموعة من البرامج وتشمل المناصحة عدة مكونات داخل السجن وهي: (مناصحة فردية – مناصحة جماعية “دورات علمية”- مناصحة نسوية)، وخارج السجون هي: (برامج وقائية – برنامج خاص – برنامج عام – برامج عن بعد).
المرحلة الثانية التأهيل: يضم مجموعة من البرامج المتنوعة التي تقدم داخل المركز في بيئة مختلفة عن بيئة السجن ومكونات التأهيل، هي: (برامج معرفية – برامج تدريبية -برامج ثقافية -برامج رياضية).
المرحلة الثالثة الرعاية: يشمل مجموعة من البرامج المتخصصة التي تقدم للمستفيد وأسرته بعد تخرجه من المركز مكونات الرعاية ( برنامج الرعاية الأسرية – برنامج رعاية الخريجين – برنامج التكيف والاندماج).
خضع حوالى (6000) رجل لشكل من أشكال برنامج “المناصحة والرعاية “/ من بينهم (137 ) معتقلاً سابقاً في معتقل “غوانتانامو”، ومن بين (137) معتقل أعيدوا إلى المملكة العربية السعودية من “غوانتانامو” انضم (116) شخص إلى المجتمع وظلوا بعيداً عن التطرف. أرسل آخر معتقل في “غوانتانامو” إلى البرنامج السعودي عام 2017، وبات من المحتمل أن يساهم البرنامج السعودي في إغلاق معتقل “غوانتانامو” من خلال إمكانية نقل ما تبقى من المعتقلين إلى مركز “المناصحة والرعاية”.
الإمارات العربية المتحدة ومبادرات مكافحة التطرف
تبنت دولة الإمارات العربية المتحدة العديد من المبادرات لمكافحة التطرف، أبرزها:
– “مركز صواب” : يعد مبادرة تفاعلية بالشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية للعمل على الاستفادة من مواقع التواصل الاجتماعي لنبذ التطرف، وتسخير وسائل التواصل الاجتماعي لمحاربة التطرف والمعلومات المضللة والتفسيرات المتشددة التي يروجها المتطرفون.
– المعهد الدولي للتسامح: تم إطلاق المعهد الدولي للتسامح في دولة الإمارات في عام 2017، ويدعو المعهد إلى نبذ التعصب والتطرف والعزلة الفكرية وكافة مظاهر التمييز الديني والعرقي.
– مركز الهداية لمواجهة التطرف والإرهاب: يهدف المركز إلى التدريب والتعاون والبحث في مجال محاربة التطرف بجميع مظاهره وأشكاله، يركز المركز على المواجهة الفكرية للتطرف من خلال المناهج التعليمية ونبذ التطرف داخل السجون.
أطلقت دولة الإمارات العربية المتحدة فعاليات الملتقى الدولي لمنتدى “تعزيز السلم في الإمارات “، ورعت الإمارات برنامج “تدريب الائمة الأفغان”، والذي تخرج منه عدة دفعات وتم ذلك بالتعاون مع دار “زايد للثقافة الإسلامية” ومركز”هداية” الدولي لمكافحة التطرف
قامت دولة الإمارات العربية المتحدة من خلال الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف بغرس قيم الإسلام الوسطية، والإسهام في تنمية الوعي لتضييق الخناق على الفكر المتطرف. كما قامت الإمارات بإصلاح الخطاب الديني، وتنظيم المحاضرات والندوات في المؤسسات المجتمعية، وأعدت برنامج تطوير خطبة الجمعة والذي يتيح الفرصة للأفراد للمشاركة في إثراء الخطب بالعناوين والأفكار الجديدة، ودعم المؤسسات الدينية الوسطية في المنطقة.
جمهورية مصر العربية واستراتيجيات محاربة التطرف
ترتكز الاستراتيجية المصرية على ثلاث عوامل لمكافحة الإرهاب ومحاربة التطرف وتعمل بشكل متواز في ثلاثة مسارات:
- أولاً: المواجهة العسكرية
- ثانياً: التنمية
- ثالثاً: المواجهة الفكرية
تضمنت المواجهة الفكرية لمحاربة التطرف عدة استراتيجيات منها؛ إصلاح الخطاب الديني، وتأهيل ورفع مستوى الأئمة والوعاظ داخل المساجد خاصة فيما يتعلق بنبذ الخطاب المتطرف والأيديولوجيات المتطرفة، وكذلك نشر التوعية على مواقع التواصل الاجتماعي وحذف المنشورات المتطرفة. نفذت وزارة الثقافة عدداً من البرامج الثقافية والفنية تروج للقيم الإيجابية بالمجتمع ومواجهة الأفكار المتطرفة. وعززت مصر من دور الأزهر الشريف عبر المراكز المتخصصة التابعة له كـ “مرصد الأزهر” لمكافحة التطرف الذي يقوم بأدوار عدة من بينها وضع استراتيجية تسعى للوصول إلى الشباب وتعريفهم بتفسيرات الشريعة المعتدلة، بالتوازي مع تحرك دار الافتاء المصرية التي أنشأت مركز “سلام لدراسات التطرف”
نظمت دار الإفتاء المصرية في 7 يونيو 2022 مؤتمر “التطرف الديني، المنطلقات الفكرية واستراتيجيات المواجهة”، وعمل المؤتمر على الخروج بمبادرات علمية تدعم عملية مكافحة التطرف وقاية وعلاجاً، وتعميق النقاشات الدينية والأكاديمية حول ظاهرة التطرف، وتعزيز التعاون والتنسيق بين المؤسسات البحثية والخبراء المختصين في مجال مكافحة التطرف دولياً.
المملكة الأردنية و”استراتيجية الاحتواء” لجماعات الإسلام السياسي
تتبني السلفية الجهادية في الأردن خطاباً متشدداً يختلف عن غيرها من جماعات الإسلام السياسي ويعد “عصام البرقاوي” الملقب بـ”أبو محمد المقدسي” أحد منظري تيار السلفية الجهادية في الأردن و”المقدسي” هو المرشد الروحي لأبي “مصعب الزرقاوي” زعيم تنظيم القاعدة السابق. ويوجد في الأردن جماعتين للإخوان إحداهما قديمة والأخرى تأسست في عام 2015 من قيادات سابقة بالجماعة، وحصلت على ترخيص حكومي تحت مسمى “جمعية الإخوان المسلمين” ، وصارت بمقتضاه تابعة لوزارة التنمية السياسية الأردنية.
تمتلك الأردن خصوصيه في التعامل مع ملف الإسلام السياسي لا سيما ملف “الإخوان المسلمين” انطلاقاً من تشريعات وقوانين تحكم التعامل مع جميع القوى السياسية الموجودة في المملكة. قد تم في السابق إخطار تنظيم الإخوان بضرورة الحصول على الترخيص القانوني أسوة بالأحزاب السياسية الأخرى، وسمحت السلطات الأردنية بحالة من المرونة للتعامل مع تيارات الإسلام السياسي، ووجود تمثيل لهم في اللجنة الملكية.
ظلت العلاقات بين تنظيم الإخوان المسلمين في الأردن والتنظيم في مصر إحدى المشكلات الرئيسية التي تسببت في تفاقم الأزمة بين المملكة الأردنية وجماعة الإخوان المسلمين. وتلك المشكلات جعلت السلطات الأردنية إلى اتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير تجاه التنظيم والتي أدت إلى فك ارتباط جماعة “الإخوان المسلمين” في الأردن بفرع جماعة “الإخوان المسلمين” السابق في مصر عام 2016 .
أصدرت أعلى هيئة قضائية في الأردن في عام 2020 حكما بحلّ جماعة “الإخوان المسلمون”، وذلك لعدم قيامها بتصويب أوضاعها القانونية، وحل السلطات الأردنية حزب “الشراكة والإنقاذ” في فبراير 2021 ، إضافة إلى حل نقابة المعلمين في يونيو 2022. أصبح للحكومة الأردنية موقف واضح في 28 مارس 2022 من التعامل مع تنظيم الإخوان المسلمين ، فأصبح التنظيم وفق القانون الأردني لم يعد موجود وبمثابة تنظيم خارج إطار القانون وبات لا يوجد إى تعامل رسمي إلا من خلال حزب “جبهة العمل الإسلامي”.
تنشر الجمعيات المقربة من تنظيم الإخوان المسلمين كـ “جمعية المحافظة على القرآن” في الأردن الأفكارالمتطرفة بين مرتادي الجمعيات من الشباب والأطفال، وتعطي مناهج دراسية دون الرجوع والحصول على تراخيص من وزارة التربية والتعليم الأردنية، وهو ما دفع السلطات الأردنية بإغلاق (30) مركزاً لتحفيظ القرآن الكريم بشكل مؤقت في يوليو 2022 لتضييق الخناق على نشر الفكر المتطرف.
المعالجات
نجد أن على الدول الأوروبية الاستقادة من تجارب تلك الدول من خلال التعاون الوثيق مع مشيخة الأزهر ودولة الأمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والمملكة الأردنية عبر استضافة الدول الأوروبية للاساتذة والمشايخ لتفكيك الفكر المتطرف في أوروبا، والعمل على نشر تعاليم الدين الإسلامي المعتدلة بجميع اللغات في أوروبا، وزيادة عدد المبعوثين من الأزهر إلى الدول الأوروبية.
تزويد المساجد والمراكز الإسلامية الكبري في أوروبا بعلماء من دول المنطقة واستقبال العديد من الدعاة لتدريبهم وتأهيلهم وذلك لتعزيز قيم المواطنة والتعايش والاستقرار في المجتمعات الأوروبية، ومواجهة الإيديولوجيات المتطرفة التي تستقطب الجاليات المسلمة في أوروبا.
عقد جلسات استماع في برلمانات الدول الأوروبية لخبراء محاربة التطرف من دول المنطقة، وتؤمة الجامعات التي تعنى بالدراسات الإسلامية وتبادل المقاعد الدراسية، واستعادة العلاقات الثقافية بين الأزهر والدول الأوروبية من خلال تبادل المنح والعلاقات الأكاديمية، كذلك تلقي الطلاب الأوروبيون تعليمهم الديني في الجامعات المعتمدة في دول المنطقة كجامعة الأزهر.
التقييم
اتخذت المملكة العربية السعودية العديد من الإجراءات والخطوات الاستباقية ، وتبنت سياسات تثقيفية للمجتمع أمنياً وفكرياً تجاه ظاهرة التطرف، وكثفت من برامجها لوقاية الشباب من الإيديولوجيات المتطرفة، ومواجهة مخاطر استقطابهم ، ونشر التفسيرات المعتدلة للشريعة.
تبنت دولة الإمارات العربية المتحدة العديد من الإجراءات الاستباقية والمبادرات لمكافحة التطرف، وعملت على الاستفادة من مواقع التواصل الاجتماعي لنبذ التطرف، وأطلقت فعاليات ومؤتمرات لمناقشة محاربة التطرف فكرياً، ورعت العديد من البرامج لتأهيل وتدريب الأئمة على المستوي الإقليمي.
أثبتت تجربة جمهورية مصر العربية نجاحاً كبيراً وغير مسبوق في محاربة الفكر المتطرف وجماعات الإسلام السياسي خاصة جماعة الإخوان المسلمين، واعتمدت عدة استراتيجيات منه؛ا المواجهة الفكرية للجماعات المتطرفة منها إصلاح الخطاب الديني، و إعادة تأهيل الأئمة في دور العبادة، وعززت مصر من دور الأزهر الشريف عبر المراكز المتخصصة التابعة له، بالتزامن مع إحداث عملية تنمية داخلية في المناطق التي تنشط فيها الجماعات المتطرفة.
اتبعت الأردن “استراتيجية الاحتواء” في التعامل مع جماعات الإسلام السياسي خصوصا تنظيم الإخوان المسلمين لتضييق الخناق على نشر الفكر المتطرف، وساهمت “سياسة الاحتواء” التي اتخذتها السلطات الأردنية تجاه الإخوان المسلمين في فقدان تنظيم الإخوان المسلمين شعبيته على المستوى السياسي ومستوى الشارع، وخسرت جماعة الإخوان المسلمين الانتخابات البرلمانية وانسحب التنظيم من انتخابات النقابات والاتحادات الطلابية.
رابط مختصر .. https://www.europarabct.com/?p=84353
* حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات
الهوامش
مركز “المناصحة” السعودي.. هل هو الحل لإغلاق سجن غوانتانامو؟
https://arbne.ws/3fQd9fH
جهود دولة الإمارات العربية المتحدة في مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف
https://bit.ly/2qoJAnX
الأردن يتمسك بخصوصيته في التعامل مع ملف الإخوان
https://bit.ly/3yxXW9H
إخوان الأردن: فك الارتباط بمصر مطلب داخلي وسنتعامل بإيجابية مع الانتخابات النيابية القادمة
https://cnn.it/3yvIuuC
القضاء الأردني يقرر حل جماعة “الإخوان المسلمون” بسبب “عدم قيامها بتصويب أوضاعها القانونية”
https://bit.ly/3MkV0Ti