سامر عبد:

ما إن أُسدل الستار على الحفل الافتتاحي لمونديال قطر 2022، في الثامن عشر من تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، والذي افتتحه أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني،  بخطاب يتحدّث عن التنوّع، وسط انتقادات واسعة طالت الدولة المنظّمة بخصوص معاملة العمال الأجانب، وحقوق "مجتمع الميم" في البلاد، حتى تداول العديد من روّاد مواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي، وبشكل جنوني، خبراً يعلن اعتناق الممثل والمنتج السنيمائي الحائز على جائزة الأوسكار، الأمريكي مورغان فريمان، للديانة الإسلامية، ولتتعالى تعليقات بعض المهلّلين تكبيراً "للزعم الزائف"، بكلمات تدعو لفريمان بالثبات على "الدين والإيمان"، وتهنّئه على "نعمة الإسلام".

بينما تلقّف بعض الساخرين الخبر الذي لم يتبيّن أحد من ناشريه والمعلقين عليه زيفه من صحّته، على اعتبار أنه نوع من "المتاجرة بالدين" لغرض تجميع اللايكات لا أكثر، وأن فريمان قد قام بتغيير اسمه إلى "مرجان أحمد مرجان" بعد دخوله في الإسلام، وهي الشخصية التي جسّدها الممثل المصري عادل إمام في أحد أفلامه.

نفي الإعلان

الخبر الذي تبنته بعض حسابات موقع تويتر ذات العلامة الزرقاء دون التأكد من مدى مصداقيته، لم يكن الإشاعة الأولى فيما يتعلّق بمعتقدات فريمان الدينية، ففي عام 2015، بعد إنجاز الأخير عملاً وثائقياً بعنوان "قصّة الله مع مورغان فريمان" على قناة "ناشيونال جيوغرافيك"، تعمّق في شتى العقائد الدينية الإيمانية، ومن بينها الإسلام، لتثار الشكوك حول اعتناقه الإسلام حينها.

أيضاً، تصريح فريمان نفسه حول صوت الأذان، حين قال إنه أجمل صوت سمعه في حياته: "إن من أجمل الأصوات جمالاً وروحانية في العالم هو صوت نداء المسلمين للصلاة". وكذلك، في عام 2016 عندما التقى فريمان مع الداعية الإسلامي المناهض للتطرّف ماجد نواز، في أحد المساجد، ما أثار موجة تفاعل كبيرة حينها، ليسارع نواز وينفي الشائعات التي تمّ تداولها حول إسلام فريمان، كما يحدث اليوم.  

 ليقوم فريد سبيكتر بنفي الأمر في تصريح لوكالة رويترز للأنباء، في الثالث والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، حيث قال: "مورغان لم يتحوّل إلى الإسلام"، مؤكداً أنه لم يقم بتغيير دينه. الأمر ذاته، نفته منصّة "مسبار" العربية المعنية بتقصّي الحقائق على موقعها الرسمي، ناقلةً ما يلي: "لم يعلن الممثل اعتناقه الإسلام، وأيضاً لم يتم التبليغ عن أي وسيلة إعلامية موثوقة عن الجديد".

أما عن حقيقة معتقد فريمان الذي يبدو وفقاً لتقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية في عام 2016، بعيداً عن الصورة النمطية التي تقدمها الديانات الشرقية السماوية جميعاً، والذي يقول "إنه لا يؤمن بالله، على الأقل بالطريقة التقليدية"، مبيّناً "اعتقاد فريمان أن الإنسان هو من صنع الله"، إلا أنه أيضاً "يشعر أن الله لا يزال هو الله، موجود في العقل وليس في الكون بصفته خالقاً كل أشكال الحياة".   

 لما الكذب؟

يبدو أن ظهور الممثل الأمريكي الشهير في حفل الافتتاح، بعد دعوة رسمية من دولة قطر، لاقى تفاعلاً كبيراً عبر جميع المنصات، لاسيما بعد خطابه أثناء مشاركته حول التوافق بين معتقدات الشعوب المختلفة، والنقاش الديني الذي جرى بينه وبين الشاب القطري غانم المفتاح، عن ضرورة وجوب تصحيح بعض المفاهيم المغلوطة المرتبطة بالإسلام، وازدواجية المعايير، والتلاقي بين الثقافتين الشرقية والغربية، حيث قال فريمان: "ما يوحّدنا هنا في هذه اللحظة أعظم بكثير مما يفرق بيننا. كيف يمكننا جعله يدوم لفترة أطول من اليوم فقط".

والأهم، شرح ما تضمّنته الآية القرآنية التي تلاها المفتاح من "سورة الحجرات": "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم". الأمر الذي دفع البعض للاعتقاد باعتناق فريمان للإسلام متأثراً بالحوار الذي جرى مع المفتاح خلال الحفل، واعتباره بمثابة "فتح كبير"، و"نصرٍ مؤزّر" للإسلام، وعودته عن "الكفر والضلال"، لما يمثله فريمان من ثقل إعلامي وثقافي كبير في الأوساط الفنية والثقافية الغربية.

"مونديال إسلامي"

 تؤكد موجة التفاعل حول "الاعتناق المزعوم" الذي تحوّل إلى كرة نار تقاذفها الجميع، على تلك النزعة المتعالية لدى بعض المسلمين، باعتبار دينهم "دين الحقيقة المطلقة"، والضحالة التي تصدر عن بعض الأصوات الإسلامية  المتسقة مع تصوير المونديال في قطر على أنه "فتح إسلامي"، وإعطائه "طابعاً تبشيرياً"، وأنه سيتم وفقاً للشعائر الإسلامية، اتساقاً مع منع تناول الكحول في الملاعب المونديالية، والدعوة إلى "الشرب باعتدال" داخل الجدران في غرف الفنادق. إضافةً إلى الرفض المطلق لأفراد "مجتمع الميم" والتعبير عن مظاهر المثلية، انسجاماً مع الخصوصية التي يتمتع بها البلد المسلم التي لاقت تضامناً واسعاً في أرجاء العالمين، العربي والإسلامي.

نجد هذا في الأنباء المضحكة المتداولة حول إسلام بعض زوار المونديال من الأجانب، وإنقاذهم من الخلود في النار.

لا تقف هذه النزعة التبشيرية عند هذا الحدّ، فبعد صورة "كمّ الأفواه" في بداية لقاء منتخب ألمانيا، احتجاجاً على ضروب المنع السابقة التي تمثل انتهاكاً للحريات الفردية، خسر المنتخب الألماني مع اليابان، فاعتبر البعض هذه الخسارة بمثابة انتقام إلهي، وانتصار "للفطرة السليمة"، و"القضية الخاسرة"، كما عبر عنها معلق قناة BIEN SPORT، العماني خليل البلوشي، وأنه كان يتوجب على المنتخب الألماني التركيز على لعب كرة القدم بدلاً عن التركيز على قضايا جانبية لا علاقة لها باللعبة الشعبية الأولى في العالم.

كمشجّع شغوف ومتحمّس لرياضة كرة القدم، أحب كيف يتفاعل الناس معاً، سواء الحاضرون على مدرجات الملاعب، أو من يشاهدون من خلف الشاشات، خصوصاً، أنه يُنظم للمرة الأولى في المنطقة العربية. إنه مبعث للأمل في بلاد عرفت شتى ويلات الحروب والأزمات.

الأعلام، الأزياء المتنوعة، الرقصات ، لحظات الفرح والسعادة في حال الفوز، الخيبة والحزن في حال الخسارة، الجنون اللذيذ والصراخ الهيستيري الذي يصاحب تسجيل هدف، كل هذا يبدو أهم بكثير من تلك الخطابات المشحونة بالتعصّب والرفض للآخر المختلف، والدعوات التبشيرية وتوكيد "توفقنا السماوي"، وبالمقابل، الخطاب الغربي الموازي الذي يجعل من قيم الإنسانية "قيماً غربية" خاصة، والدعاية المشوّهة قبيل بدء الحدث العالمي الكبير على أرض عربية، فما يوحّد مشجّعي كرة القدم هو عشق الكرة بدون أي تحزبات أو إيديولوجيات متناحرة.