أزمة "قسد" مع عناصر داعش الموجودين لديها بعد رفض دولهم أستقبالهم - Articles
Latest Articles

أزمة "قسد" مع عناصر داعش الموجودين لديها بعد رفض دولهم أستقبالهم

أزمة "قسد" مع عناصر داعش الموجودين لديها بعد رفض دولهم أستقبالهم

أحمد رياض جاموس:

 

في تطور لافت وغير متوقع، أعلنت الإدارة الذاتية الجناح المدني لقوات سوريا الديمقراطية المدعومة أمريكياً شمال شرق سوريا، اعتزامها بدء محاكمة علنية لـ10 آلاف عنصر أجنبي محتجزين لديها ينتمون إلى تنظيم الدولة (داعش)، وفق القوانين الدولية والمحلية الخاصة بالإرهاب.

وقالت الإدارة الذاتية في بيان نشرته في السادس من الشهر الجاري، إنها "قررت البدء بمحاكمة العناصر الأجانب بما يتوافق مع القوانين المحلية والدولية الخاصة بالإرهاب، وبما يحفظ حقوق المدّعين من الضحايا وأفراد أسرهم، داعيةً الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية المعنية، والمنظمات المحلية، إلى الانخراط بشكل إيجابي وتقديم الدعم خلال جميع مراحل المحاكمات"، مضيفةً أن عدم تقديم العناصر للقضاء والعدالة هو أمر منافٍ للقوانين والاتفاقيات الدولية، وأن بقاءهم واستمرارهم على هذا الحال يزيد من خطورة الوضع الأمني.

وبحسب بيان الإدارة، فقد ناشدت وطالبت مراراً المجتمع الدولي بالقيام بمسؤولياته في إيجاد حلول لملف عناصر تنظيم الدولة المحتجزين لديها، منذ هزيمة التنظيم في بلدة الباغوز، آخر معاقله في ريف دير الزور الشرقي عام 2019، والتي جرى فيها اعتقال أكثر من عشرة آلاف مقاتل من التنظيم، يقبعون الآن في مراكز الاحتجاز لديها، بالإضافة إلى وجود عشرات الآلاف من أفراد أسرهم، أغلبهم من الأطفال والنساء ويقيمون حالياً في مخيمات شمال شرق سوريا.

وتأتي خطوة الإدارة الذاتية في ظل عدم استجابة الدول لاسترداد رعاياها من سجون الإدارة وتجاهلها مطالبات الإدارة سابقاً بضرورة السماح بعودتهم وتقديمهم إلى المحاكمة، فيما اقتصرت تلك الدول على استرداد بعض النساء والأطفال فقط.

قانون مكافحة الإرهاب

يشير عضو الهيئة الإدارية في دائرة العلاقات الخارجية للإدارة الذاتية، خالد إبراهيم، إلى أن الإدارة الذاتية ومنذ الإعلان عنها، أصدرت حزمةً من القوانين المدنية والجزائية والتجارية وقوانين أخرى في سبيل تنظيم الشؤون العامة لمناطق الإدارة، ومنها قانون مكافحة الإرهاب رقم 7 لعام 2021، بما يتوافق مع قوانين حقوق الإنسان الدولية.

ويضيف في حديثه إلى رصيف22، أن "الجهاز القضائي سيحاكم كل من تثبت بحقه أدلة دامغة عن جرائم ارتكبها ضمن التنظيم حسب قانون مكافحة الإرهاب، وأن المحاكمة ستقتصر على المقاتلين من الرجال، من دون أن تشمل النساء والأطفال في المخيم على اعتبارهن/م ضحايا".

وبرغم أن قانون مكافحة الإرهاب الذي ستعتمد عليه الإدارة الذاتية في تنفيذها المحاكمات، والذي صادق عليه المجلس العام للإدارة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، يتكون من 20 مادةً تعرّف الإرهاب وتحدد العقوبات، إلا أنه لا يشمل نصوصاً تتيح محاكمة الأجانب أمام السلطات القضائية التابعة لها، وهو ما يُعدّ واحداً من العوائق التي تواجه هذه الخطوة، بالإضافة إلى وجود حاجة إلى دعم دولي واعتراف ورعاية من حيث تقديم الدعم التقني والقانوني وقضاة دوليين، فضلاً عن اختصاص الحكومة السورية فقط في هكذا نوع من المحاكمات، حسب قانونيين.

يؤكد إبراهيم، أن الإدارة الذاتية تدرك حجم التحديات وحساسية الملف وتعقيداته وفق الإمكانات الذاتية المتاحة، وسيؤخذ كل ذلك بعين الاعتبار، منبّهاً إلى أنه "ليست لحكومة دمشق أي علاقة بقرار الإدارة، فقوات سوريا الديمقراطية هي من حارب هذا التنظيم وقدّمت أكثر من 15 ألف شهيد وأكثر من 25 جريحاً".

هل تنجح المحاكمات؟

يرى المتخصص في القانون الجنائي الدولي والباحث القانوني في المركز القانوني لدراسات الشرق الأوسط، المعتصم الكيلاني، أن "مناطق شمال شرق سوريا تعيش أزمةً كبيرةً بوجود مقاتلين من أكثر من 60 دولةً ترفض استعادتهم، وتتخلى عن مسؤولياتها تجاههم، وهم من ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في سوريا، إلا أن التساؤل ليس عن وجود قانون الإرهاب الخاص بمحاكم الشعب الذي حاولت الإدارة فيه مراعاة القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية كافة، بل عن قدرة الإدارة على تطبيقه، فهذا يشكّل أكبر تحدٍّ لها، في ظل حاجتها إلى بنية تحتية قضائية من قضاة موثوقين ومحامين وأبنية مؤمّنة وحراسة مشددة وهيكلية قضائية عموماً تستوعب هذا العدد الضخم".

وعليه، يقول الكيلاني في حديثه إلى رصيف22، إن "هدف الإدارة تشكيل حالة ضغط على المجتمع الدولي، لإجبار الدول على التحرك واستعادة الرعايا الذين يحملون جنسيتها ومحاكمتهم على أراضيها، خاصةً أنها ليست المرة الأولى التي تتناول فيها الإدارة رغبتها في محاكمة الأجانب في مناطق سيطرتها".

وكانت الإدارة قد طرحت لأول مرة في آذار/ مارس 2020، فكرة إنشاء محكمة دولية خاصة، لمحاكمة عناصر التنظيم القابعين في سجونها، والذين ترفض بلدانهم السماح لهم بالعودة ومحاكمتهم فيها، الأمر الذي قوبل برفض أمريكي للفكرة وقتها، بالإضافة إلى الحديث عن عدم شرعية محكمة تعمل بشكل منفصل عن حكومة دمشق الرسمية.

ويشجع الكيلاني على "إنشاء محكمة دولية خاصة في شمال شرق سوريا وفي شمال غربها، تحقق في جرائم عناصر تنظيم داعش وتتم محاكمتهم في سوريا، أو تسعى إلى إعادتهم إلى دولهم ومحاكمتهم هناك"، لكنه يتحدث عن وجود عائقَين أمام ذلك، الأول: أنه في حال تم تشكيل هذه المحكمة في شمال شرق سوريا وفي شمال غربها، سيمتد اختصاصها لجرائم النظام السوري وغيره من الميليشيات، والثاني: تنصّل الدول من مسؤولياتها تجاه رعاياها ومحاولتها التخلص منهم وتشجيع محاكمتهم في سوريا والعراق.

استعادتهم والإفلات من العقاب

لا يبدو أن هنالك خطةً للتحالف الدولي لإنهاء ملف المقاتلين الأجانب، إلا أن المحاكمات المحلية للسجناء من قبل الإدارة الذاتية قد تتحول إذا ما بدأت بالفعل في شرق الفرات، إلى حل في نظر التحالف، لا سيما أن المحاكم الأوروبية قد لا تكون قادرةً على مقاضاة المقاتلين بسبب نقص الأدلة في ميدان المعركة، وعدم إثبات ارتكابهم أعمالاً إجراميةً خلال وجودهم في سوريا أو العراق، أو لأنهم قضوا مدة عقوبتهم.

ومع وجود ضمانات للمحاكمات العادلة في أوروبا، وعدم معرفة نتائج تحقيقات الإدارة الذاتية وكيف قامت بها، والأدلة التي بحوزتها وقيمتها القانونية، فمن السهل توقّع أخذ القضاء الأوروبي ما يُوفَّر له من أدلة تتوفر فيها المعايير اللازمة للمحاكمات العادلة، والتي قد تؤدي إلى الإفلات من العقاب.

يشير الكيلاني إلى أن "هناك الكثير من الأوروبيين الجهاديين عادوا إلى بلدانهم، وإلى الآن هم تحت المراقبة من قبل السلطات هناك، لكن لم تتم محاكمتهم لأسباب عدة منها أن هذه الدول ليست لديها القدرة على إجراء تحقيقات ميدانية في الداخل السوري، لإثبات أن هؤلاء الأشخاص ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، لا سيما أن الكثير من العائدين إلى أوروبا كانوا يعملون في العمل اللوجستي وغيره من النشاطات التي لا تتعلق بالأعمال القتالية المثبتة".

إثارة الملف مجدداً

منذ سقوط داعش عام 2019، لم تتوقف مناشدة بعض الدول والمنظمات الحقوقية بضرورة إعادة الدول الأوروبية رعاياها من مخيمات الاحتجاز شمال شرق سوريا، بسبب الوضع المتدهور الذي يعيشونه هناك، وآخر تلك الدعوات كانت بالتزامن مع قرار الإدارة الذاتية، إذ دعت كلّ من السعودية وأمريكا في 8 حزيران/ يونيو الجاري، لإعادة مقاتلي تنظيم داعش الأجانب وأقاربهم إلى أوطانهم، كما تعهدت الولايات المتحدة بتقديم 148 مليون دولار لدعم التحالف والشركاء الشرعيين"، في إشارة إلى "قسد"، وذلك ضمن اجتماع وزاري عُقد في الرياض للتحالف الدولي لهزيمة داعش والذي استضافته السعودية والولايات المتحدة بهدف جمع 601 مليون دولار لصندوق الاستقرار.

فيما كررت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، مطالبها من السلطات الكندية في أيار/ مايو العام الفائت، بإعادة رعاياها من النساء والأطفال والتحقيق مع الكبار الملتحقين بداعش، وقبلها مطالبة السلطات الفرنسية أيضاً بإعادة فرنسيين محتجزين بشكل تعسفي في المنطقة في ظروف تهدد حياتهم.

ويبدو أن الإدارة الذاتية ترغب في توجيه الأنظار إليها كلاعب ضروري في المعادلة السورية، ولا سيما في ظل الأحداث المتسارعة من حيث مسار التطبيع مع نظام الأسد من جهة، واجتماعات المعارضة السورية وخلق أجسام سياسية جديدة لها من جهة أخرى، بالإضافة إلى حقيقة تشكيل ملف الأجانب هاجساً للإدارة الذاتية بعد أن شهدت بعض السجون أعمال شغب، وتعرّض سجن غويران في ريف الحسكة الممتلئ بعناصر التنظيم لهجوم واسع من خلاياه، في كانون الثاني/ يناير 2022، وإحراجهم قوات قسد التي لم تستطع إنهاء الهجوم إلا بعد تدخل التحالف الدولي حينها.

يقول نائب رئيس تيار الحرية الكردستاني المستقل، طارق خيركي، والذي كان أحد أحزاب المجلس الوطني الكردي المنضوي تحت مظلة الائتلاف السوري المعارض، إن "الإدارة الذاتية تتخذ ورقة الأجانب للضغط باتجاه إجبار الدول على الاعتراف بسلطاتها السياسية، أو الحصول على مكاسب مالية"، معللاً السبب بأنها بين فترة وأخرى تطلق سراح الكثير من عناصر داعش الخطيرين من دون محاكمات وبوساطات عشائرية أو شخصية أو لقاء دفع أموال طائلة، متجاهلةً الخطر الذي يشكّله هؤلاء من عودتهم كخلايا نائمة للتنظيم.

ويلفت في حديثه، إلى أنه في ظل هذه الأوضاع لا يمكن محاكمة عناصر أجانب أو سوريين ضمن المنطقة في ظل عدم تسوية الوضع في سوريا وغياب اعترافٍ رسمي بالإدارة الذاتية وغياب الفرق القضائية المعتبرة، كما لا يمكن محاكمة هؤلاء إلا في محاكم وطنية سورية مستقلة بدعم من لجان محاكمات دولية بعيدة عن محاكم نظام الأسد والإدارة الذاتية، لأن محاكم الطرفين غير مختصة وغير محايدة ولا تحترم معايير ومواثيق حقوق الإنسان في ما يتعلق بحقوق الأسرى والمعتقلين.

وكانت لجنة التحقيق الدولية قد نشرت تقريراً في أيلول/ سبتمبر الفائت، لفتت فيه إلى احتجاز أكثر من 10 آلاف من مقاتلي "تنظيم الدولة" المشتبه بهم، الذين يُزعم انتماؤهم إلى الجماعة، بمعزل عن العالم الخارجي، ومن دون رعاية صحية كافية ومن دون سبيل قانوني، وهذا يشمل نحو 1،000 محتجز تم القبض عليهم وهم من الصبية، على الرغم من أن بعضهم بلغ 18 عاماً منذ ذلك الحين، ولفت التقرير إلى أنه لم يكن لبعض هؤلاء المحتجزين الأجانب أي اتصال خارجي بأسرهم أو محاميهم باستثناء الرسائل التي يرسلها العاملون في المجال الإنساني، والتي تكون متفرقةً في أحسن الأحوال.

غوانتانامو مطوّر

يوجد أكثر من 42،400 أجنبي متهمين بأن لهم صلات مع داعش في المخيمات والسجون في شمال شرق سوريا، ومنذ 2019 أعادت 34 دولةً على الأقل، أو سمحت بالعودة، لأكثر من ستة آلاف أجنبي، بما في ذلك ما يقرب من أربعة آلاف إلى العراق المجاور، وقد ازدادت عمليات الإعادة في 2022، مع إعادة أكثر من 3،100 أجنبي إلى أوطانهم حتى 1 كانون الأول/ ديسمبر 2022. فمنذ تشرين الأول/ أكتوبر 2022، أعادت ثماني دول على الأقل رعاياها: 659 إلى العراق، و17 إلى أستراليا، وأربعة إلى كندا، 58 إلى فرنسا، و12 إلى ألمانيا، و40 إلى هولندا، و38 إلى روسيا، واثنين إلى المملكة المتحدة، فيما قالت إسبانيا في تشرين الثاني/ نوفمبر، إنها ستعيد 16 مواطناً على الأقل بحلول نهاية العام.

يؤكد الباحث في الحركات الجهادية، عبد الرحمن الحاج، لرصيف22، أنه "ما من حلّ سوى أن يحاكَم عناصر داعش الأجانب في بلدانهم التي يحملون جنسيتها، مع ما يحمله ذلك من مخاطر تبقى أقل بكثير من خضوعهم لمحاكمات جائرة لا تتوفر فيها الحدود الدنيا للعدالة، وأفضل من إبقائهم مع أطفالهم وأسرهم معتقلين في الصحراء بلا نهاية، ما يؤدي إلى خلق وتكريس مجتمع ناقم"، متسائلاً عن المرجعية القانونية للمحاكمات: "فمن غير المحتمل أن تكون عادلةً ومنصفةً، لأن لدى الإدارة تاريخاً من الأنشطة المصنّفة إرهابيةً، ومن الممكن أن تؤدي المحاكمات الجائرة إلى تعزيز السردية التي تتبناها داعش".

كذلك، يدعو في الوقت ذاته، إلى "محاكمة المنتمين الأجانب محاكمات عادلةً وفق مرجعية قانونية تحترم حقوق الإنسان، والعمل على إصلاح توجهاتهم وتقليل نزعة الانتقام والتطرف الناشئة عن وضعهم في ظروف قاسية لسنوات طويلة مع عائلاتهم، لأن بقاءهم أو هروبهم يعززان التطرف أو العودة إلى التنظيم، خصوصاً أن بينهم أطفالاً أصبحوا الآن في سن الرشد بعد سنوات من وجودهم في المخيم، فأوروبا -وفق حديث الحاج- تنظر إلى هؤلاء الأطفال على أنهم بحاجة إلى بذل جهد كبير وطويل لإصلاحهم، بالإضافة إلى خوفها من تحول المحاكَمين إلى ظاهرة "الذئاب المنفردة"، أو أن يعاودوا إحياء شبكة التجنيد للتنظيم".

وكانت مؤسسة "كارنيغي" المهتمة بالأبحاث السياسية، قد نشرت تقريراً في تموز/ يوليو 2022، أشارت فيه إلى أن نساء داعش يزرعن في أذهان الأطفال فكرة الثأر لآبائهم الذين إما قُتلوا في معارك تنظيم الدولة مع "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، وإما سُجِنوا لدى الأخيرة في أثناء العمليات العسكرية التي شنتها قوات سوريا الديمقراطية على التنظيم المتطرف بدعمٍ من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.

يختم الحاج حديثه بالإشارة إلى أن الوضع الحالي لمعتقلي داعش، بات قريباً من نموذج غوانتنامو، ولكنه نسخة مطورة، وربما دمجت فيه بعض خصائص سجن أبو غريب العراقي، ففي غوانتنامو كان السجناء ذكوراً بالغين وأشخاصاً متهمين أو مشتبهاً في تورطهم في الانتماء إلى القاعدة أو القيام بأعمال إرهابية، أما اليوم فنحن أمام معتقلين مع أسرهم كاملةً، وقد يكون سيناريو المحاكمات العادلة أو إنشاء محكمة دولية أحد الحلول، لأن دوام المشكلة الحالية ليس في صالح أحد.

رصيف 22

Related

Share

Rating

0 ( 0 reviews)

Post a Comment

Category
Author
More Options
  • Recent
  • Popular
  • Tag
Tags