من تاريخ التعذيب في الإسلام: تشبّهَ زياد بعُمر فأفرطَ، وتشبه الحجاج بزياد فأهلك الناس 1/5 - Articles
Latest Articles

من تاريخ التعذيب في الإسلام: تشبّهَ زياد بعُمر فأفرطَ، وتشبه الحجاج بزياد فأهلك الناس 1/5

من تاريخ التعذيب في الإسلام: تشبّهَ زياد بعُمر فأفرطَ، وتشبه الحجاج بزياد فأهلك الناس 1/5

دانية الزعيمي:

 

حين لا تملك سلطةٌ سياسية قاعدةً شعبية كافية لتثبيت حكمها، تلجأ إلى القمع السياسي واعتماد التعذيب كوسيلتين، تردع بهما أي مقت شعبي يمكن أن يتطور إلى تحرك يهدد سلطة الحاكم.

ومع أن التعذيب استخدم في التاريخ الإسلامي لأغراض شتى، كما سنتابع في جزء لاحق، إلا أن التعذيب بغاية سياسية، كان الأسبق ظهورا في الدولة.

بالمناسبة، مصطلح “التعذيب” اشتقاق حديث. أما قديما، فكان يقابله العذاب والبسط والمُثلة.

العذاب والبسط، بمعنى إيلام المتهم أو الأسير قصد الانتقام منه أو إجباره على الاعتراف بشيء ما، بينما تفيد المُثلة، تشويه الشخص حيا، أو ميتا حتى.

التاريخ الإسلامي مُبَقّع بالسواد في هذا الصدد على نحو مفزع، وتظهر أولى ملامح ذلك منذ خلافة معاوية بن أبي سفيان.

كان معاوية يملك قاعدة شعبية متينة في الشام، بيد أن انفراده بالسلطة، بعد تنازل الحسن بن علي، أثار في وجهه عدة إشكالات.

إشكالات يجملها المفكر العراقي هادي العلوي، في كتابه فصول من تاريخ الإسلام السياسي، في ثلاثة:

–         اعتاد المسلمون حكم الخلفاء المقيد بالشرع، ومعاوية كان متجاوزا إياه؛

–         لم يعتد العرب على الخضوع لسلطة، لا سيما المستبدة منها؛

–         معارضة أهل العراق الذين تشبثوا بالولاء لعلي بن أبي طالب وذريته.

رغم أن معاوية اشترى كثيرا من الزعامات القبلية في إقليم العراق، الخَطِر، إلا أنه لم يستطع السيطرة على المعارضة تماما هناك، فكان أن ولى عليه المغيرة بن شعبة، أحد دهاة العرب.

بيد أن دهاء المغيرة لم يجد نفعا، فعزله وولى مكانه زياد بن أبيه، وكان واليا من طراز مختلف تماما.

زياد أظهرَ، في صدر الإسلام، يقول العلوي، مواهب إرهابية نادرة، وصار قدوة لمن بعده من الولاة.

كان زياد المشرع لأمور عدة، سارت على خطاها السلطة الإسلامية لاحقا، مثل منع التجول والقتل الكيفي، أي القتل على التهمة أو الظن، وقتل البريء لإخافة المذنب، وقتل النساء، الذي كان أمرا غير مألوف عند العرب.

نقرأ في تاريخ الطبري أن وكيل زياد على البصرة، الصحابي سَمُرة بن جندب، أعدم ثمانية آلاف من أهلها تطبيقا لمبدأ زياد في القتل على التهمة.

وجاء في اللباب في تهذيب الأنساب لابن الأثير، أن زياد أمر بقطع لسان رشيد الهجري وصلبه لأنه تكلم بالرجعة (الرجعة في المفهوم الشيعي، تعني العودة إلى الحياة بعد الموت).

الحكم بقطع اللسان، يقول العلوي، كان تطويرا مبكرا لفن التعذيب، يدل على السرعة التي تقدمت بها دولة الإسلام في طريق تكاملها كمؤسسة قمعية.

عذب زياد الناس ودفنهم أحياء، وبنى عليهم الحيطان وقطع أطراف النساء، يقول الباحث الجزائري عباس عروة في كتابه “قراءة في تاريخ التعذيب”؛ مضيفا أن الأمويين سلطوا ولده عبيد الله على الناس من بعده، فسار على طريقة أبيه.

زاد عبيد الله بن زياد عن أبيه، أنه كان يرمي الناس من شاهق، ويقتل الرجل البريء ويبعث برأسه إلى ابنته، فإن جاءت تطلب جثة أبيها لتدفنها، أمر بقتلها وهو يمتع نفسه بمرآها وهي تقتل.

بعد زياد وابنه، ذاع صيت  الحجاج بن يوسف الثقفي، الذي قتل لوحده، ما يزيد عن ألف ألف إنسان، يذكر الباحث العراقي عبود الشالجي في كتابه “موسوعة العذاب”.

ظل الأمر كذلك حتى وُلي عمر بن عبد العزيز وتميز عن سابقيه بالعدل، ووضع حدا للتعسف. دام حكمه أقل من ثلاث سنوات، وتبعه يزيد بن الوليد (يزيد الناقص) على نفس النهج، لكن… لم يدم حكمه أكثر من ستة أشهر.

يروى عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: “تشبه زياد (ابن أبيه) بعمر (ابن الخطاب) فأفرط، وتشبه الحجاج بزياد فأهلك الناس”.

الواقع أن زياد استوحى في حكم العراق شدة عمر. لكن شدة عمر، يذكر العلوي، لم تقترن بحالات قتل كيفي أو تعذيب، إنما كانت درجة من الحزم والضبط، جعلته مهيبا في عيون الناس.

هكذا، حَوّل الإفراطُ شدةَ عمر لدى زياد، إلى إرهاب دموي، استوحاه من بعده الحجاج ومضى فيه إلى أبعد مدى.

الحجاج كان نسخة متطرفة من زياد، على يده أصبح الإرهاب حالة يومية يعيشها الناس، وقد اشتهر بالقتل الكيفي بوسيلته المحببة، قطع الرؤوس بالسيف، فيما كان الصلب مآل من لهم وزن خاص في المعارضة.

الحجاج كان أيضا باني سجن الديماس، وقيل إنه كان بلا سقوف، وعند وفاته قُدّر من فيه بعشرة آلاف من الرجال والنساء.

بعد استراحة قصيرة في عهد عمر بن عبد العزيز، ومن خلفه، أخذت سياسة التعذيب بعدا جديدا على يد هشام بن عبد الملك في الشام وولاته في الأقاليم.

هشام كان يطبق بنفسه طريقة القتل بقطع الأيدي والأرجل في بعض الحالات المشددة، ويذكر الطبري الإحراق طريقة للإعدام، استخدمها هشام أيضا، كما أن عامله على العراق، خالد القسري، أعدم الجعد بن درهم ذبحا لقوله بالقدرية.

بالمناسبة، قبل أن يصير عاملا على العراق، كان خالد القسري عاملا على الحجاز، وأصدر تحذيرا يومها بأن من يطعن في الخلافة سيصلبه داخل البيت الحرام! ومعروف أن الإسلام حرم قتل الحيوان حتى، في هذا المسجد.

بنفس طريقة قطع الأيدي والأرجل والصلب، طبق شقيقه أسد، حاكم خراسان، القتل على أتباع الحارث بن سريج، الذي كان يثور على الأمويين في المشرق.

إضافة إلى من سبق ذكرهم، يذكر عباس عروة أسماء كثيرة في أتباع بني أمية، ممن تتركوا سيرا مظلمة، منهممسلم بن عقبة، قرة بن شريك، بشر بن مروان، يزيد بن المهلب

مثلا…  كان مسلم بن عقبة، قائد يزيد بن معاوية، الذي أرسله لقمع التمرد الذي وقع ضده في المدينة، ولما دخلها، عاث جنوده فيها قتلا ونهبا واغتصابا فيما سمي بواقعة الحرة.

قتل جيش بني أمية بقيادة مسلم، في معركة الحرة، ما لا يقل عن 4500 مسلم، وافتض بكارة ما يناهز 1000 فتاة من مدينة الرسول، فيما يقدر الإخباريون عدد الولادات غير الشرعية التي نجمت عن الاغتصاب الذي طال نساء المدينة من طرف جيش مسلم، بسبعة آلاف!

وجه الغرابة يكمن في أن مسلم، كالكثير من أمثاله في التاريخ الإسلامي، كان يعتبر ما قام به من فضائع تقربا لله. يذكر عباس عروة، نقلا عن المؤرخ البلاذري، قول مسلم وهو يحتضر: “… لم أعمل بعد الإيمان بالله ورسوله عملا أحب إلي ولا أرجى عندي من قتل أهل الحرة”.

إلا أنه، بخلافة هشام، كان ستار الأمويين قد بدأ ينسدل، إذ خلفه خلفاء قصار العمر، وسط اضطرابات متلاحقة، انتهت بالثورة العباسية، التي قضت على آخر الخلفاء الأمويين، مروان بن محمد (مروان الحمار).

هكذا، كان رد فعل العباسيين على الأمويين غداة انتصارهم، أكثر سوءا مما رأينا، بلغ حد نبش قبور خلفاء هؤلاء، كما سنتابع في الجزء الثاني.

ماريانا

Related

Share

Rating

0 ( 0 reviews)

Post a Comment

Category
Author
More Options
  • Recent
  • Popular
  • Tag
Tags