هويدا أبو سمك:
رأيتها بعد سنوات من التخرج فلم أعرفها، خرج صوتها المألوف من وراء نقاب أسود يغطي وجهها. سألتها: "مروة إنتي لبستي نقاب إمتى؟"، ردّت زميلتي القديمة: "لسة فاكرة؟ من سنة جوزي خلاني ألبسه"، ولأني أعرفها لا تحب هذا التشدّد في الزي سألتها: "وافقتي بسهولة كده"، فردّت: "هعمل ايه، هطلق عشان حتة نقاب؟".
مواقف مشابهة كثيرة تتعرّض لها النساء في عالمنا العربي فيظن الرجل أنه مطبّق شرع الله على أهل بيته، ويأمر زوجته بارتداء النقاب أو الحجاب، وكذلك يجبر ابنته على ارتداء الحجاب في سن صغير، لا يهتم إن كانت زوجته أو ابنته تريد أن تفعل ذلك اقتناعاً أم خوفاً، ويتباهى بين الأصدقاء بما فعله وكأن الله سيصفّق له على ذلك، وسيلقي عليه بوابل من البركات والنعمات.
الآمر الناهي
كانت فتاة صغيرة، لم تبلغ العاشرة من عمرها، بعد ترتدي الحجاب وتسير بين صديقاتها في القرية، وتجري وتلعب وهي مكبلة بغطاء رأس لم يطالبها الله به في هذا السن الصغير، سألتها عن حجابها ولماذا ترتديه، أخبرتني أن والدها هو من جعلها تفعل ذلك.
يظن الرجل الأبله أنه بذلك يطبق شريعة الله، لم يلتفت إلى أنها مازالت صغيرة في السن وغير مكلفة، لم يقتنع بكل تلك الكلمات ولكنه رأى فقط أنه يجب عليه أن يحمى ابنته ذات الشعر الناعم الكثيف من الأعين التي تلتفت لها، فقرّر أن يغطي هذا الرأس، وربما انتظر منا أن نشكره ونُجلّه لأنه لم يقطعه ويتخلص من هذا الشيء الثقيل على قلبه.
مازال الرجل في مجتمعاتنا العربية يرى أنه المسؤول عن تديّن المرأة وظهورها بالشكل الشرعي المقبول، ينظر إلى نفسه على أنه المسؤول أمام الله عن ملابسها، ويستند في ذلك إلى حديث رسوله: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"... حتى نهاية الحديث. ترك الرجل كل مسؤولياته وتجاهلها ولم يعد يتذكر سوى ذلك، فظل يردّد: "لا تلبسي ذلك. اخلعي هذا البنطلون الضيق، لا ترتدي هذا الفستان، التزمي بالحجاب"، وربما لو نظر هو إلى نفسه وركز مع خصاله الأخرى وجموح نزواته لما احتاجت المرأة إلى كل هذه الأغطية.
إلى الآن ينظر إليها تلك النظرة لتقييمها قبل خروجها من المنزل، تُرى هل سيجد شيئاً خليعاً يمنع حدوث كارثة مرتقبة؟ لم يفكر يوماً أنه السبب الأول في كل كارثة، ولم يحاول أن ينظر إليها باقتدار ليعي أنها كفيلة بتقدير نفسها جيداً، وأنها تستطيع أن تقرّر وتختار كل ما يخصّها، ويرى أنه المسؤول الأول.
اشترط خطيب صديقتي عليها ونحن في الجامعة أن ترتدي الحجاب قبل الزواج- رغم أنه أحبها وهي ليست محجبة- ومع الوقت بدأت صديقتي تلين ووافقته، كان الشاب سعيداً وقتها وكأنه وجد لنفسه مفتاح الجنة. هذا للأسف ما يقتنع به العدد الأكبر منهم، أنه بهذا الفعل قد اقترب من الله، وسيكافئه المولى برميه في جنته.
لا أعرف أبداً ما هي الحسبة التي يقوم بها هؤلاء، ما هي المعادلة التي يعتمدون عليها! أيرضى الله ويسعد بمؤمنة تأتيه وتقترب منه دون اقتناع ورغماً عنها، هل يفعل ذلك العلي القدير وهو الذي يتباهى عندما نأتيه طوعاً، ولم يرغمنا على شيء وإلا كان قد خلقنا جميعاً مؤمنين به، أو استبدلنا بملائكته الذين يسبحون بحمده ويقدسون له.
كذبة يصدقونها
يعيش عدد كبير من الرجال في مستنقع من الخداع، يصدقونه بل يعيشون عليه ويستندون إليه للتهرب من مواجهة الحقائق وشرع الله الحقيقي.
صديق قرّر أن يترك خطيبته التي خلعت الحجاب، سألته: "ليه؟ دا قرار يخصها"، فأجاب: "لا أنا لو اتجوزتها وهي كده ربنا يحاسبني عليها". للأسف يصدق الكثير من الناس هذه الكذبة. هو لا يخاف من الله حقاً ولكنه فقط لا يريد أن يواجه مجتمعه الصغير بزوجة غير محجبة، ولا يريد أن يدخل في نقاش مع أحد، وبذلك اختصر على نفسه الطريق وتركها. ربما يظل ينظر إليها بحب من بعيد، يدخل على صفحتها على مواقع التواصل، ويراقبها وينظر إليها في الشارع دون أن يخاف الله، لا يهتم بأي شيء، المهم أنه لم يفعل ما يلومه المجتمع عليه.
كدت أصطدم مع خالي وأنا أسأله عن السبب الذي جعله يرغم زوجته على ارتداء النقاب، قال مصدقاً: "ثواب كبير من ربنا وبعدين هي مقتنعة". هذه هي الكذبة الأكبر التي يصدقها هؤلاء: المرأة مقتنعة، إنها توافق، لقد هداها الله لما اقترحته عليها، والحقيقة أنه لو كان الله هداها لفعلته دون مشورتك وجبرك لها، لتسلل الأمر إلى قلبها حباً وأقبلت عليه دون وجود وسيط، تصدق كذبتك ولكنها في الحقيقة ليست مقتنعة بل خائفة من الرفض ومواجهتك، في حين أنها ربما تحبك ولا تريد الانفصال عنك، أو حتى تخشى أن يلومها الناس على رفض فعل تتقرب به من الله، حسب رأيهم.
أيها الرجل، متى أعطاك الله هذا التفويض لتكون وسيطاً بينه وبين المرأة؟ متى أخبرك، وفي أي آية بالضبط، أنه سيقذف بك في الجنة عندما تجبرها على فعل شيء دون اقتناع منها؟ من قال لك إنك مسؤول عن جعلها تطبق شرع الله بالشكل الذي تراه وجعلك تأخذ على عاتقك هذه المسؤولية لتصبح واعظاً ومرشداً لها طوال طريق لم تختره هي لنفسها؟
سيدتي، زوجك ليس سفينتك المنقذة التي ستعبر بك لبر الأمان، له نقائصه، عليه واجبات عليه أن يتمّها، لست مطالبة بالسماح له بتسليط سيف الشرع على رقبتك بحجة أنه مسؤول عنك. آن لك أن توجّهي هذا السهم لطريقه الصحيح. ربما إلى رقبته أيضاً لتذكريه من وقت إلى آخر أنه مثلك لا يزيد عنك شيئاً، وأنه عليه أن ينظر إلى نفسه في المرآة، ربما يجد عينين أمره الله أن يغضّهما ولكنه لا يستجيب.