بقلم: تسفي برئيل
لقد تم اعدام القديسة سانتا كاترينا، إبنة الاسكندرية، في القرن الرابع بنفس اسلوب داعش. ففي البداية تم تعذيبها على دولاب التعذيب، وعندما فشلت هذه الاداة في قتلها تم قطع رأسها. وقد ذكرنا داعش في هذا الاسبوع بأن المكان اليوناني الارثوذكسي المقدس في سيناء والذي يسمى على اسم كاترينا لا يحمي القديسة المعذبة، حيث قامت خلية من داعش بقتل شرطي مصري تم وضعه من اجل حراسة الموقع.
بعد عشرة ايام من العملية المزدوجة في الكنيستين في مصر والتي قتل فيها أكثر من 40 شخصا، يستمر داعش في تطبيق استراتيجيته الجديدة التي لم تعد تكتفي باستهداف القوات الامنية والمواطنين العاديين، بل اصبحت توجه لضعضعة العلاقة الضعيفة أصلا بين المسلمين والمسيحيين في مصر.
قبل شهرين اهتزت مدينة العريش بسبب قتل سبعة مواطنين مسيحيين. وهي الحادثة التي أدت الى هروب أكثر من 40 عائلة من المدينة الى الاسماعيلية. وهذه العائلات تعيش الآن في ظروف اللجوء وتنتظر العودة الى بيوتها. الحكومة في مصر القلقة جدا من تحول العمليات الى مواجهات بين المسيحيين والمسلمين، تحاول مساعدة العائلات من خلال وضع الحراسة حول اماكن سكنها، وقد أوجدت للمعلمين اماكن عمل بديلة واستوعبت الاولاد في مدارس المدينة. وبعض الهاربين الذين لم يجدوا اماكن عمل يضطرون الى السفر الى العريش من اجل العمل والعودة الى البيت في نهاية الاسبوع في ظل تعرض حياتهم للخطر.
المساعدات التي تقوم بتقديمها الحكومة لا تنجح في تهدئة التوتر التي اشتعل في الايام الاخيرة. “ليس هناك فرق بين عهد مبارك وعهد عبد الفتاح السيسي”، قال نائب جمعية “مصر ضد التمييز الديني”، الدكتور احمد منير مجاهد، “الآن ايضا لا يوجد حاكم مسيحي واحد، ولا يوجد قائد مسيحي رفيع في القوات الامنية، ولا يوجد رئيس جامعة مسيحي”. وفي مقابلة نشرت في هذا الاسبوع في مصر طلب من النظام عدم الاكتفاء بالحرب ضد الارهاب الاسلامي الراديكالي، بل العمل ايضا من اجل تغيير الاجواء العدائية ضد المسيحيين.
لقد انشأ مجاهد الجمعية التي تشمل بضع مئات من المواطنين في مصر، مسلمين ومسيحيين، في العام 2006 في اعقاب العمليات في الكنائس المسيحية في القاهرة. ومنذ ذلك الحين تهتم الجمعية باعداد التقارير حول التمييز الديني. وتتعاون ايضا مع منظمة “مؤمنون بلا حدود” التي مقرها في المغرب والتي تهتم في ابحاث الحوار الديني في الدول العربية. وقد نشرت هذه المنظمة في هذا الشهر بحثا مفصلا بعنوان “الوضع الديني في مصر”، الذي وصف التيارات الدينية المختلفة التي تعمل الآن في الدولة والعلاقة بين الانظمة المختلفة في مصر وبين الحركات الدينية.
في المقابلة التي اجراها موقع “المدن” المصري مع أحد معدي البحث، سامح اسماعيل، أشار الى أن الكنيسة القبطية بذلت الجهود الكبيرة من اجل الحفاظ على علاقات جيدة مع النظام. وقد اهتمت دائما بتأييدها المعلن للرؤساء في مصر. ولكن تبين أن هذه الاستراتيجية قد تعرضت الى ضربة شديدة اثناء الربيع العربي، حيث أن شباب اقباط، خلافا لتوجيهات القيادة الدينية، شاركوا في المظاهرات ضد نظام مبارك، الامر الذي أوقع الكثير من الضحايا في اوساطهم، لا سيما في اعقاب المظاهرة التي جرت قرب مبنى التلفزيون المصري في تشرين الاول 2011. وقد أقام هؤلاء الشباب منظمة خاصة بهم باسم “اتحاد شباب مسبيرو” على اسم مبنى التلفاز. وبدأوا في المشاركة في النقاش الاجتماعي في الشبكات الاجتماعية.
تشريع غامض
إن الفجوة بين الجيل الشاب والقيادة القديمة وضعت البابا القبطي ثيودوروس الثاني امام مفارقة صعبة. فمن جهة بذل الجهد لتأييد الرئيس السيسي، ومن جهة اخرى كان عليه تهدئة الشباب الذين هددوا صلاحيته السياسية. الرئيس السيسي الذي فهم خطر الانقسام في الجالية القبطية التي تشمل 10 – 12 مليون شخص، بادر الى تشريع تاريخي هدف الى تحييد ادعاءات الجالية التي تقول إنه منح تسهيلات لبناء كنائس جديدة. ولكن القانون الجديد الذي استقبل في البداية بالتأييد، تبين أنه غير كاف. اجراءات الحصول على التراخيص اصبحت اسرع، لكن شروط الحصول عليها ما زالت صعبة وتحتاج الى قرار من رؤساء المحافظات. هؤلاء يمكنهم القول مثلا إن حجم الجالية في المنطقة لا يحتاج الى بناء كنيسة أو أن الكنيسة المطلوب بناءها قد تعرض سلامة الجمهور للخطر بسبب قربها من المسجد. التشريع الغامض يعزز ادعاء أن الرئيس لا يريد اجراء تغيير جوهري في العلاقة بين الاقباط وبين النظام، أو ازالة الاسباب التي تؤدي الى التوتر بين المسلمين والمسيحيين.
حسب رأي مجاهد “هناك حاجة الى تغيير جهاز التعليم في مصر. والتعليم من اجل التحمل الديني واقتلاع التعليم الديني الراديكالي من المدارس″. ويقترح مجاهد ايضا احداث تغيير دراماتيكي لمكانة الازهر، المؤسسة الاسلامية الاهم في مصر وفي كل العالم الاسلامي. وحسب اقتراحه يجب تحويل الازهر من جامعة مفتوحة امام الجميع الى مؤسسة عليا لتعليم الدين، يتم فيها تعلم الدين فقط وليس العلوم المدنية، ويتم قبول الطلاب الذين حصلوا على شهادات اكاديمية فقط. والهدف هو جعل الطلاب يلتقون مع افكار ليبرالية اثناء الدراسة العادية، وعدم وصولهم بعد المدرسة مباشرة الى تعلم الدين.
إن اقتراحات مجاهد لن تكون مقبولة على النظام في مصر وعلى الازهر أو فقهاء الدين الآخرين، لا سيما لأنها تأتي من شخص يعتبر متآمر على النظام الحالي. ولكن مجاهد ليس شخصا غريبا جاء من الهامش. فقد كان رئيس سلطة الطاقة الذرية في مصر، واقام الجمعية المناهضة للتمييز. ولم يهتم أحد في الاجهزة الامنية لمنصبه المزدوج. وفي 2015 تم الغاء العقد الموقع معه، وخرج للتقاعد، وذلك كان لاسباب امنية لم يتم تفصيلها.
يحاول السيسي من جهته احداث اصلاحات في الحوار الديني، ومع توليه منصبه بادر الى الالتقاء مع فقهاء الدين والازهر من اجل أن يكون الحوار الديني معتدلا وليبراليا وغير معاديا للمسيحيين. وفي وسائل الاعلام الحكومية يتم اعطاء مكان واسع للمقالات حول الحوار الديني، وعلى طاولة البرلمان توجد قوانين تهدف الى منع فتاوى من هم غير مخولين من الازهر. في هذا الاسبوع نشر المتهكم المصري المعروف، مصطفى فقي، مقال لاذع تحدث فيه عن دور المسيحيين في الحركة القومية المصرية، وعن دورهم في الحروب المصرية والربيع العربي. والمتهكم السعودي، غسان الامام، عقب على مقال فقي الذي نشر في صحيفة “الشرق الاوسط” تحت عنوان “من يدافع عن الاقباط”، قائلا إن المسيحيين ليسوا بحاجة الى رعاية الاسلام من اجل الدفاع عنهم، فهم جزء لا يتجزأ من الأمة المصرية: “الدولة هي التي يجب عليها الدفاع عنهم”.
صحيح أن الامام ينتقد الاقباط لأنهم يلقون بالمسؤولية الكاملة على الدولة، وهو يعتبر أنه “لا يمكن وضع حارس لكل مسيحي”، وأن عليهم وضع الحراس بأنفسهم في الاماكن المقدسة. ولكنه ينتقد بشدة ايضا الحركات الليبرالية والعلمانية وشباب الثورة لأنهم لم يخرجوا ضد الاخوان المسلمين، وحولوا هذه الحركة الى شريك. اقوال الامام موجهة للمواطنين في مصر، لكنه يوجه سهام الانتقاد بشكل غير مباشر نحو النظام في السعودية، حيث يقول إنه يجب منع الفتاوى التحريضية. ولكن الحوار الاعلامي ومبادرة السيسي ايضا، يواجهان معارضة الحركات الدينية الراديكالية التي تصمم على الحاق الضرر بحرية التعبير وتجاهل التعاليم الدينية. لذلك يحاول السيسي العمل في المجال الجماهيري – وقد ظهر لاول مرة في مراسيم عيد الميلاد وأجرى محادثات علنية مع البابا القبطي وقام بارسال شخصيات في حكومته للالتقاء مع الشخصيات العامة القبطية.
إن جيل الشباب من الاقباط يريد خطوات أكبر من اجل زيادة الشعور بالأمن، خاصة بعد أن اوضحت العمليات في الكنائس أن هناك اهمال في الحراسة. هذه بالضبط هي البطن الضعيفة والحساسة التي يستهدفها داعش، وهو يحاول من خلال العمليات تعميق الفجوة بين النظام والمسيحيين، وبين المسلمين والمسيحيين. وهذا هو المكان الذي قد ينجح فيه أكثر من نجاحه في العمليات التي تضر بالسياحة أو القوات الامنية.
هآرتس 23/4/2017
ترجمة رأى اليوم