ماثيو ليفيت و ماكسين ريتش
في 1 أيار/مايو، قامت حركة «حماس» للمرة الأولى بتحديث ميثاقها التأسيسي من عام 1988، في مؤتمر صحفي عقدته في قطر. وفي حين يربط الميثاق الأصلي «حماس» بشكل واضح بجماعة «الإخوان المسلمين»، ويعتبر أن الحل الوحيد للنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني هو الجهاد المسلّح، ويدعو إلى إنشاء دولة إسلامية، إلّا أن البيان الجديد - الذي لا يحل محل الميثاق السابق، على الرغم من اللغة الجديدة - كان من المتوقّع أن يعتمد نبرةً أكثر ليونة، وأكثر اعتدالاً على ما يبدو. لكن بغض النظر عن الخطاب، تشير أنشطة «حماس» الأخيرة بوضوح إلى استمرار تشدد الجماعة في نضالها.
الخلفية: ميثاق «حماس»
منذ إنشائها، كرّست «حماس» نفسها صراحةً لتدمير إسرائيل وإقامة دولة فلسطينية إسلامية في كل فلسطين التاريخية. وتتّضح عقيدتها الأساسية في ميثاق عام 1988 - الذي نشرته للمرة الأولى في شيكاغو "الجمعية الإسلامية لفلسطين" التي هي إحدى منظماتها الصورية [منظمات الواجهة] - والذي يرفض كلياً السلام الدائم مع إسرائيل على أسس دينية وقومية وإيديولوجية. ومن ثم، فمن المنطقي، وفقاً للميثاق، بأنه "لا حل للقضية الفلسطينية إلا من خلال الجهاد، أما المبادرات والمقترحات والمؤتمرات الدولية، فكلها مضيعة للوقت، وعبث من العبث".
ويدعو ميثاق 1988 إلى إنشاء دولة إسلامية، وليس دولة علمانية، ويستخدم لهجةً معادية للسامية بشكلٍ لا لبس فيه تستهدف اليهود، وليس إسرائيل. وربّما ما يثير الجدل أكثر بالنسبة إلى «حماس» اليوم هو أن ميثاق عام 1988 يصف الحركة صراحة على أنها "جناح من أجنحة «الإخوان المسلمين»".
ومع ذلك، تحاول «حماس» تغيير نفسها. وقد أثار بيانها السياسي، الذي تسرب إلى الصحافة في نيسان/أبريل، اهتماماً متجدداً بـ "عملية تحولٍ" تخضع لها «حماس». فالوثيقة تنأى «حماس» عن جماعة «الإخوان المسلمين»، وقد تقر نوعاً ما بخطوط الهدنة لحرب الأيام الستة في عام 1967 كأساسٍ للتوصل إلى اتفاقٍ مع إسرائيل. ومن جهته، كان ميثاق «حماس» نتيجة عمل شخصٍ واحد هو الشيخ عبد الفتّاح دخان، الذي كتبه عندما كانت الحركة في أوائل مراحل تشكيلها. ومنذ ذلك الوقت، شارك المسؤولون في مناقشات دورية حول تحديث الميثاق وتخفيف زواياه الأكثر حدة.
ويهدف ما يُدعى باعتدال «حماس» إلى توسيع نطاق ندائها الدولي في الوقت الذي تواجه فيه الجماعة تحديات متعددة، بما فيها الوضع الاقتصادي الكئيب في غزة - وهو ما أكدته مؤخراً أزمة الطاقة في القطاع - وتوتر العلاقات مع مصر، التي هي في حرب مع جماعة «الإخوان المسلمين» - المنظمة الأم لـ «حماس». وعلى الرغم من أنه يتم الترحيب بالوثيقة كدليل على اعتدال [الحركة]، إلّا أنها لا زالت تشمل أقساماً أقل ودية، بما فيها إعادة التكريس للمقاومة المسلحة لتحرير فلسطين بالكامل، "من نهر الأردن شرقاً إلى البحر الأبيض المتوسط في الغرب". وحتى في الوقت الذي تحاول فيه «حماس» تغيير نغمتها، إلّا أن نشاطها المسلح الأخير يتحدث عن النوايا الحقيقية للجماعة.
استعدادات «حماس» للحرب
منذ عام 2014، عندما دُمِّرت العشرات من أنفاق الحركة وقواعدها وصواريخها في آخر اشتباك مع إسرائيل، عملت «حماس» على إعادة بناء بنيتها التحتية التي تعود لأيام الحرب، بما في ذلك حفر الأنفاق داخل قطاع غزة وكذلك في كل من مصر وإسرائيل. وفي عام 2016، أعلنت «حماس» مقتل اثني وعشرين عضواً من جناحها العسكري؛ وقد توفي معظمهم في إنهيار نفق. وحتى الآن هذا العام، قُتل العديد من أعضاء «حماس» أيضاً في انهيار أنفاق أو وقوع حوادث. وفي آذار/مارس، دعت «حماس» على نحوٍ غير متوقَّع ألفيْ جندي احتياط للمشاركة في تدريبات تهدف إلى محاكاة نزاعٍ كبيرٍ مع إسرائيل، بما في ذلك عبر شن هجوم بري. وتُعد هذه المناورات التى شملت المدفعية والمخابرات القتالية وعناصر الهندسة القتالية اكبر تمارين قامت بها المنظمة الإرهابية هذا العام. وعلى نحو متصل، قامت قوات "جيش الدفاع الإسرائيلي" مؤخراً بإزالة قنبلتين مدفونتين بالقرب من الحدود بين غزة وإسرائيل. وفى شباط/فبراير الماضي، تم أيضاً إظهار الاستعدادات الدولية التي تقوم بها «حماس» لبدء حرب [أخرى] عندما اعتُقل احد عملاء «حماس»، الذي كان يعيش في قبرص التركية، لدى عودته الى الضفة الغربية. واعترف بالانضمام إلى «حماس» عندما كان في الخارج والتدريب في مخيم عسكري في سوريا.
ولا تقتصر استعدادات «حماس» على الكفاح البري. ففي آذار/مارس، كُشف أن «حماس» أنتجت عدة عشرات من الصواريخ المتطوّرة المماثلة لتلك التي يحتفظ بها «حزب الله» - الجماعة اللبنانية المسلحة والحزب السياسي. وفي أواخر العام الماضي، حذرت "وكالة الأمن الإسرائيلية"، أو "الشين بيت"، من أن الترسانة الصاروخية لـ «حماس» تعادل الآن قوتها قبل الصراع الذي اندلع عام 2014، والذي أطلقت خلاله الجماعة أكثر من ألف صاروخ نحو إسرائيل.
تهريبات «حماس»
في غزة، تواصل «حماس» تهريب الأسلحة والمال والمعدات استعداداً لشن هجمات عنيفة وللحرب القادمة مع إسرائيل، التي أحبطت 1,226 محاولة تهريب على حدود غزة في عام 2016. وفي الآونة الأخيرة، تم القبض على شقيقتين من غزة كانتا تحاولان دخول إسرائيل محملتان بالمتفجرات. وقد حصلت إحدى الأختين على تأشيرة دخول إلى إسرائيل لتلقي علاج السرطان، وحاولت تهريب مواد متفجرة مخبأة داخل أنابيب الإمدادات الطبية. ويشير التحقيق الأولي الذي أجرته "الشين بيت" إلى أن «حماس» أرسلت الإمدادات لاستخدامها في الهجمات الإرهابية في إسرائيل. وفي وقت سابق من هذا الشهر، ضبطت السلطات الإسرائيلية ثلاثين بدلة غطس، يُزعم أنها كانت متجهة إلى فرع بحري متنامي مسلح تابع لـ «حماس»، ومخبأة في شحنة من الملابس الرياضية المستوردة. كما تم مؤخراً اعتقال صياد من غزة لتهريبه معدات إلى «حماس».
وفي الضفة الغربية، اعترُضت شحنة أخرى غير مشروعة في العام الماضي، مليئة بالمواد اللازمة لمئات قذائف الهاون والصواريخ، والمحركات الكهربائية المستخدمة في حفر الأنفاق. وتستمر «حماس» في الاستفادة من العاملين في المجال الإنساني الدولي. وفي آذار/مارس، أُلقي القبض على منسق فرع "وكالة التعاون والتنسيق التركية" في غزة محمد مرتجى بتهمة مساعدة المنظمة الإرهابية. ولتحسين دقة الهجمات الصاروخية التي تشنها «حماس»، ادّعى الرجل أنه كان من المفترض أن يجلب قرص في سلسلة مفاتيح لـ «حماس»، يحتوي على "خرائط محسنة بشكل متقن ومفصلة بإسهاب عن مواقع مختلفة في اسرائيل". وقد ساعد هذا المنسق أيضاً في حفر نفق، وأصبح خبيراً في الأجهزة المتفجرة، وشهد تحويلات نقدية من المنظمة التركية إلى مسؤولي «حماس».
«حماس» في الضفة الغربية
تواصل «حماس» إقامة بنيتها التحتية في الضفة الغربية وإسرائيل. وفي عام 2016 وحده، تم القبض على 114 خلية محلية تابعة لـ «حماس» في الضفة الغربية، مقابل 70 خلية في عام 2015. وكانت إحدى الخلايا، التي تم تفكيكها بالقرب من الخليل في شباط/ فبراير، تتلقى تعليمات عبر الإنترنت من «حماس» للقيام بعمليات إطلاق النار والاختطاف وشن هجمات بالمتفجرات. وكان العديد من الأهداف داخل إسرائيل نفسها، من بينها محطة للحافلات ومحطة للقطارات وكنيس يهودي. وقد أُحبطت محاولة اختطاف أخرى في كانون الأول/ديسمبر، أسفرت عن مصادرة كميات كبيرة من الذخيرة، ورشاشيْ كلاشنيكوف من طراز "AK-47"، وثلاثة مسدسات، وبندقية من الخلية في الضفة الغربية. وفي الشهر نفسه، أُلقي القبض على أحد عملاء «حماس»، عندما كشفت السلطات عن خططه لشن هجمات في القدس وحولها، بما في ذلك تفجير حافلة.
وتكثر استثمارات «حماس» في قاعدتها خارج غزة. فقد تم الكشف عن طريق رئيسي لنقل الأموال في شباط/فبراير، أرسلت «حماس» من خلاله آلاف الدولارات عبر بطاقات السحب الآلي المهربة إلى عملائها في الضفة الغربية. كما تطوّر «حماس» بقوة ترسانتها في الضفة الغربية. وفي شباط/فبراير، أغلق "جيش الدفاع الإسرائيلي" مكتبة في الضفة الغربية تستخدمها «حماس» لإطلاق دعايات تحريضية وتصنيع المتفجرات، وفي أواخر العام الماضي تم ضبط منشأة لتصنيع المدافع بالقرب من الخليل، وهي معقل مشهور لـ«حماس».
«حماس» في سيناء
على الرغم من تقارب «حماس» المفترض مع مصر، إلّا أنها تواصل العمل عن كثب مع الإسلاميين في شبه جزيرة سيناء. ففي آذار/مارس، وجهت إسرائيل تحذيراً صريحاً بشأن هذه الأنشطة: "يا قادة «حماس»: إن جهودكم لإخفاء تعاونكم مع تنظيم «الدولة الإسلامية» لإتمام عملية التهريب من سيناء، عبر الأكاذيب والمناورات في محاولاتٍ لإذاعة واقع 'سير الأعمال كالمعتا ' مع مصر، ليست مخفية عن ناظرنا". وبالفعل، تستفيد «حماس» ماليّاً من علاقتها مع تنظيم «الدولة الإسلامية» في سيناء، تلك الروابط التي تستطيع من خلالها تهريب الأسلحة إلى غزة. وفي الواقع، زادت «حماس» مؤخراً ضريبتها على البضائع المهرَّبة إلى غزة من قبل مقاتلي تنظيم «الدولة الإسلامية» في سيناء. وتسمح «حماس» بدورها لتنظيم «الدولة الإسلامية» في سيناء بإدارة قناةٍ إعلامية من قطاع غزة، تبنت من خلالها الجماعة الجهادية في سيناء مسؤوليتها عن هجمات تم شنها في مصر. كما عالجت «حماس» المقاتلين الجرحى من تنظيم «الدولة الإسلامية» في المستشفيات التي تديرها في غزة. ووفقاً للتقارير الأخيرة، أتت بعض الأسلحة التي استخدمها تنظيم «الدولة الإسلامية» في الهجمات ضد القوات المصرية من غزة إلى سيناء - مما يشكل عملية تدفق بالاتجاه المعاكس، الأمر الذي أقلق السلطات المصرية بشكلٍ خاص.
المحصلة
كما شدّد زعيم «حماس» خالد مشعل في الشهر الماضي، "كنا وما زلنا في حرب مفتوحة مع [الـ] عدو [الـ] مجرم [إسرائيل]". وقد تشارك «حماس» في السياسة، "لكنها تصر على خيار الجهاد والمقاومة... و[هذا الخيار] هو أعظم وأول استراتيجية لـ «حماس»... هذه هي «حماس». وهي لا تغيّر جلدها". وبالفعل، تتضح النوايا الحقيقية لهذه الجماعة إلى أقصى حد في انتخابها يحيى السنوار مؤخراً زعيماً جديداً لها في غزة، وهو قاتل مُدان ومتشدد مكافح. وأقسم السنوار في الشهر الماضي بأن «حماس» ستواصل محاربة إسرائيل و"لن تتنازل عن أي قطعة" من الأرض. ولن يعني أي تغيير في خطاب «حماس» شيئاً دون حدوث تغييرٍ موازٍ في سلوك الحركة.
على المجتمع الدولي ألا يحكم على «حماس» من خلال أي اعتدالٍ تبديه في في خطابها، بل من خلال أعمالها على أرض الواقع. وطالما تبقى هذه الأعمال متطرفة وقتالية، فإن الاعتدال النسبي في الخطاب لا يعني أي شيءٍ على الإطلاق.
ماثيو ليفيت هو زميل "فرومر- ويكسلر" ومدير برنامج "ستاين" للاستخبارات ومكافحة الإرهاب في معهد واشنطن. ماكسين ريتش هي مساعدة لشؤون البحوث في المعهد.
معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى