مثقفون مع الأصولية الإسلامية (1) د. حسن حنفى - Articles
Latest Articles

مثقفون مع الأصولية الإسلامية (1) د. حسن حنفى

مثقفون مع الأصولية الإسلامية (1) د. حسن حنفى

طلعت رضوان

ذاع اسم د. حسن حنفى فى مصر خاصة بعد صدور كتابه ( مقدمة فى علم الاستغراب) عام 1991. وكنتُ كلما دخلتُ أتيليه القاهرة فى ندوة يوم الثلاثاء من كل أسبوع ، أقابل من يُبادرنى بذاك السؤال ((قريت كتاب د. حسن حنفى مقدمة فى علم الاستغراب؟) ولما تكرّر السؤال من كثيرين محسوبين على الثقافة المصرية، اضطررتُ لشراء الكتاب حتى أعرف أهميته وبالتالى لا أبدو (متخلفـًا) عن الآخرين . ولما قرأته ندمتُ على (الفلوس) المدفوعة فيه وعلى الوقت المُهدر الذى قضيته فى القراءة ، لأنه (الكتاب) لم يُضف إلى معلوماتى أى شىء جديد ، كما لم يثر عقلى بفكر مختلف ، لأنه تكرار لما قاله الشيوخ قبله عن (الغرب الأوروبى) بل إنّ د. حنفى زايد على الشيوخ ، فهو يزعم أنّ مشروعه (الحضارى) فى كتابه (مقدمة فى علم الاستغراب) يستهدف العودة إلى (المركز الحضارى) أى الإسلام ، حتى نتطهر من شرور الغرب وأفكاره. ووفق نص كلماته فإنّ (العودة إلى المركز الحضارى تـُعطى قوة إلى الرفض الحضارى) وبغض النظر عن التلاعب بالألفاظ (على طريقة د. جمال حمدان والصحفى محمد حسنين هيكل) فإنّ (الأنا) عند د. حنفى هى (الأنا المسلم) أما الآخر فهو (الغرب) ولذا (وفق نص كلامه) فإنّ مادة علم الاستغراب هى ((من جهد الأنا وإبداعه وليستْ من إفراز الآخر وقيئه)) (ص 22) وفى الهامش كان صريحًا عندما ذكر مَنْ هم الذين قصدهم ب (القيىء) فكتب (وذلك فى كتابات إشبلنجر وهوسرل وبرجسون وتوينبى وجارودى وغيرهم من الفلاسفة المعاصرين) أى أنّ كتابات هؤلاء (قيىء) علينا أنْ نتجنـّبه. والنتيجة الانعزال التام عن كل الإبداعات الإنسانية ، سواء فى العلوم الطبيعية أو فى الفلسفة. فهل تطمع و(تطمح) الرأسمالية العالمية فى أكثر من ذلك ؟ وهل هناك فرق بين هذا الكلام وكلام سيد قطب وكل الأصوليين الإسلاميين الذين كفــّروا المُبدعين الأوروبيين وحرّموا مجمل الإبداع الأوروبى؟

تتفاقم الكارثة عندما نعلم أنّ د. حنفى سبق له أنْ شغل وظيفة أستاذ الفلسفة ثم رئيس قسم الفلسفة- كلية الآداب- جامعة القاهرة. أى أنه يلتقى مع مئات الطلاب يوميًا ويضخ فى رؤوسهم معتقداته الأصولية عن (الأنا المسلم) وعن (الآخر) الذى لا يخرج من (إفرازه) إلاّ (القيىء) ثم تتعاظم الكارثة عندما نعلم أنّ سيادته حاصل على الدكتوراه من جامعة السوربون ، وشغل منصب نائب رئيس الجمعية الفلسفية العربية، وسكرتير عام الجمعية الفلسفية المصرية. ثم يرتفع صرح الكوارث عندما كتب عنه كثيرون من اليساريين المصريين أنه (المفكر الإسلامى المُستنير) وأحد أهم ((رموز اليسار الإسلامى)) فعلوا ذلك رغم علمهم (أو المفترض بهم العلم) أنه أصدر كتابيْن فى بداية الثمانينات تمجيدًا فى الخومينية التى قتلتْ الحلفاء من الشيوعيين الإيرانيين ، خصوصًا أعضاء حزب (توده) الشيوعى ، الذين كانوا الوقود الحقيقى والمُحرّك للثورة ضد حكم الشاه.

وإذا كان مشروع د. حنفى قام على مقولة أساسية هى (الأنا المسلم) وإذا كان شعبنا المصرى مُتعدّد الأديان والمذاهب ، فإنّ (الأنا المسلم) ينفى (الآخر) غير المسلم ، وتبعًا لذلك لا يعترف بحقوق المواطنة لغير المسلمين ، وإنما تـُطبّـق عليهم أحكام (أهل الذمة) فيكون عليهم أداء (الجزية) والمنع من دخول الجيش والمنع من تولى بعض الوظائف فى الوزارات السيادية. وبالطبع فوق كل ذلك ممنوع عليهم تولى رئاسة الدولة أو حتى رئاسة الحكومة. وإذا دافع د. حنفى عن مشروعه وقال إنه لم يقصد أنّ (الأنا المسلم) سينفى الآخر (غير المسلم) ويحرمه من حقوق المواطنة ، فيكون السؤال هو : إذا كان الأمر كذلك ، فلماذا لا يكون (الأنا) هو (الأنا المصرى) الذى يجمع (كل) المصريين ويُوحدهم؟ طبعًا هذا سؤال إنْ خطر على العقل الحر، فهو يستحيل أنْ يرد على ذهن أى أصولى إسلامى كما فعل د. حنفى .

من بين المفكرين المصريين الذين عملوا فى صمت وتركوا تراثــًا غاية فى الأهميه د. عبد الهادى عبد الرحمن الذى كتب عن كتاب د. حنفى (مقدمة فى علم الاستغراب) إنّ (كتابًا ك (مقدمة) فى علم الاستغراب تأليف د. حسن حنفى يُعتبر أنموذجًا مثاليًا لخطاب التمركز الثقافى المعكوس فى كل صفحة من صفحاته التسعمائة تقريبًا. بل فى صياغة جمله وكلماته. وتضخم الإحساس ب (الأنا) إزاء (الآخر) والأنا المطروحة ليست فى النهاية- برغم الكلمات الفضفاضة- سوى أنا تراثية تنطلق من الماضى لا من الحاضر لبعث المستقبل) (د. عبدالهادى عبدالرحمن- فى كتابه ” الفوضى والتاريخ” – التحولات والتمركزات الثقافية- الناشر العصور الحديثة- عام 2000- ص 90، 91)

000

ولأنّ جمال الدين الإيرانى الشهير بالأفغانى هو زارع الأصولية الدينة فى مصر، لذا وجدتُ (كل) الأصوليين الإسلاميين شديدى الإعجاب به. ومن بينهم د. حنفى الذى كتب (جمال الدين الأفغانى هو رائد الحركة الإصلاحية. وباعث النهضة الإسلامية. وأول من صاغ المشروع الإسلامى الحديث ، الإسلام فى مواجهة الاستعمار فى الخارج والقهر فى الداخل) (حسن حنفى فى كتابه جمال الدين الأفغانى- مكتبة الأسرة- عام 99- ص 11) فهل د. حنفى لم يقرأ ما كتبه (الأفغانى) فى مجلة العروة الوثقى ، أم قرأ وتغافل وتجاهل خطورة ما كان (الأفغانى) يُنادى به؟ والآن فلنخضع كلمات د. حنفى للتحليل والتى قال فيها إنّ الإسلام الذى صاغه (الأفغانى) كان (فى مواجهة الاستعمار) بينما كانت كتابات (الأفغانى) تـُكرّس للاستعمار طالما أنّ المحتل من ذات ديانة الشعب الذى احتلّ أرضه فكان يُطالب المسلمين بأنْ (يعتصموا بحبال الرابطة الدينية التى هى أحكم رابطة اجتمع فيها التركى بالعربى والفارسى بالهندى والمصرى بالمغربى وقامت لهم مقام الرابطة الجنسية) (العروة الوثقى- 24/8/1884) فالأفغانى فى هذا المقال لا يُبرّر الاحتلال على أساس الدين فقط ، وإنما التركيز على أنّ (الدين) هو الذى يجمع الشعوب وليست (الأرض) التى وُلدوا فيها وعاشوا على خيراتها وعملوا فى حقولها ومصانعها إلخ. وهى ذات الدعوة التى روّج لها بعد ذلك رشيد رضا وحسن البنا وسيد قطب ، أى أنّ الانتماء و(الهوية) يكون للدين وليس للوطن. لذا كرّر(الأفغانى) حديثه عن نفى الانتماء للوطن فكتب (لا جنسية للمسلمين إلاّ فى دينهم) (العروة الوثقى 26/7/1884) وكرّر ذات المعنى فكتب (علمنا وعلم العقلاء أجمعين أنّ المسلمين لا يعرفون لهم جنسية إلاّ فى دينهم واعتقادهم) (العروة الوثقى- 14/8/1884) أما أخطر ما روّج له فهو محاولة اقناع الشعوب بالاحتلال الأجنبى وعدم مقاومة الاستعمار تأسيسًا على قاعدة (الرابطة الدينية) التى ألحّ كثيرًا فى الترويج لها والدفاع عنها فكتب (… هذا ما أرشدنا إليه سير المسلمين.. لا يتقيّدون برابطة الشعوب وعصبيات الأجناس ، وإنما ينظرون إلى جامعة الدين. لهذا نرى المغربى لا ينفر من سلطة التركى . والفارسى يقبل سيادة العربى . والهندى يذعن لرياسة الأفغانى ، لا اشمئزاز عند أحد منهم ولا انقباض . وأنّ المسلم فى تبدل حكوماته لا يأنف ولا يستنكر ما يُفرض عليه من أشكالها ما دام صاحب الحكم حافظــًا لشأن الشريعة ذاهبًا مذاهبها) (العروة الوثقى 28/8/1884)

رغم هذه الكتابة الصريحة الهادمة للانتماء الوطنى ، والمُروّجة للاحتلال الأجنبى طالما أنّ الحاكم (حافظ لشأن الشريعة) رغم هذا يكتب د. حنفى (ظهرتْ محاولات لتشويه صورة الأفغانى فى جيلنا من أجل قطع جذور نضالنا الوطنى والقضاء على الإسلام الثورى…. وحتى يبقى الباحث وحده مثالا للوطنية ورافعًا شعار(مصر للمصريين) بمضمونه العلمانى وليس الإسلامى الوطنى وربما بمضمونه القبطى ودرءًا لمخاطر الثورة الإسلامية فى إيران التى أصبحتْ محط جذب للشعوب العربية الإسلامية) (حسن حنفى- المصدرالسابق- ص 15) هكذا يكشف د. حنفى أوراقه وينزع كل أوراق التوت التى تصوّر أنها ستـُخفى أصوليته الإسلامية وتضعه فى خندق واحد مع عتاة الأصوليين الكارهين لشعار جدودنا ثوار ثورة برمهات/ مارس 19، خاصة وأنه ركــّز على (المضمون العلمانى) لشعار(مصر للمصريين) وهو ذات الموقف العدائى الذى يتميّز به كل الأصوليين الكارهين والمُعادين لمصر لحضارة والتعددية.

كما يتضح موقفه الأصولى عندما دافع عن الرسالة التى كتبها (الأفغانى) المُعنونة (الرد على الدهريين) فكان من رأى د. حنفى أنه كتبها (دفاعًا عن الإيمان ضد الملحدين الداعين لنبذ الأديان وحل عقود الإيمان) (حسن حنفى- المصدر السابق- ص 43) فهل هذا الكلام يختلف عن كلام أى أصولى إسلامى من (الأفغانى) إلى الشيخ كشك والشيخ الشعراوى ، وهنا تذوب الفوارق بين الشيوخ وبين أستاذ الفلسفة. أما العقل الحر فكان عليه أنْ يرجع إلى رسالة (الرد على الدهريين) ليعرف ماذا كتب (الأفغانى) فيها. فقد كتب عن المذهب الطبيعى : (النيتشر اسم للطبيعة. وطريقة النيتشر هى تلك الطريقة الدهرية التى ظهرتْ ببلاد اليونان فى القرن الرابع والثالث قبل ميلاد المسيح . ومقصد أرباب هذه الطريقة محو الأديان ووضع أسس الإباحة والإشراك فى الأموال والإبضاع بين الناس عامة) وفى الهامش : البـُضع بضم الباء . النكاح. والمباضعة والإبضاع بكسر الهمز : المُجامعة بين الرجل والمرأة . ثم أضاف (الأفغانى) (النيتشرية جرثومة الفساد وأرومة الإداد (مكتوبة هكذا) وخراب البلاد وبها هلاك العباد) (كتاب : الثائر جمال الدين الأفغانى- ورسالة الرد على الدهريين- تأليف الشيخ محمد عبده- كتاب الهلال- أكتوبر73) إذن المذهب الطبيعى فيه خراب البلاد وهلاك العباد ، ليس ذلك فقط وإنما سوف يسود نظام (المشاعية) ليس فى الأموال فحسب وإنما (مشاعية) الرجال بالنساء إلى آخر تلك الأكاذيب المفضوحة التى روّج لها الأصوليون فى كل دين ، لمجرد أنهم ضد دولة الحداثة والعصرنة. فجاء (الأفغانى) وأكد على هذا الزعم الكاذب ليصرف الجماهير الشعبية عن الأخذ بالعلوم الطبيعية لتظل أسيرة الغيبيات ، وكل ذلك فى جديلة واحدة مع الترحيب بالاحتلال الأجنبى طالما أنّ الحاكم يُطبق أحكام الشريعة الإسلامية.

مسيرة د. حنفى دراماتيكية تبحث عن سيناريست يجلس مع عالم فى الطب النفسى على مستوى فرويد فتكون لدينا شخصية اجتمعتْ فيها كل عناصر الدراما : فالمعلومات المُتاحة عنه أنه انضم لتنظيم الإخوان المسلمين فى مرحلة الثانوية العامة والجامعة. وكان زميلا لأحد (المرشدين) للإخوان (مهدى عاكف) فى شعبة باب الشعرية. ثم تمر السنوات ويشتغل بالفلسفة ويكتب عدة مجلدات أشهرها (التراث والتجديد) الذى دافع فيه عن التراث العربى / الإسلامى كما فعل من سبقه من الأصوليين ، رغم لغته المُخاتلة. ثم حاول أنْ ينحتْ لنفسه مصطلحًا به الكثير من التضليل فقال أنه يدعو إلى ما يُسمى (اليسار الإسلامى) ضمن الفريق المثالى الذى يُدافع أصحابه عن شىء طوباوى اسمه ((تجديد الخطاب الدينى)) وهى طوباوية مريضة لأنّ (الدين) فى أصوله (القرآن والسنة) يتسع ويتعدد بتعدد المؤمنين به. وفى هذه الحالة يبرز السؤال : أى خطاب دينى (تجديدى) يصلح للعصر الحديث عندما يتعارض مع القرآن؟ مثل تمييز الرجل على المرأة فى الميراث وفى الشهادة ، والموقف من غير المسلمين وقتالهم حتى (يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) (التوبة/ 29) إلى آخر الأمثلة الواردة فى نصوص القرآن . فهل اليسار الإسلامى سيأخذ ببعض الآيات والسور ويتجاهل بعضها ؟ كما أنّ د. حنفى رغم زعمه بانتمائه لليسار الإسلامى لا يزال يُردّد كلام الأصوليين عن التراث الذى هو (إعادة قراءته كما فعل القرآن الكريم مع التراث العربى السابق عليه… كما قرأ الإسلام اليهودية والمسيحية مُعيدًا بناءهما ومُصحـّحًا مسارهما بعد أنْ وقع التحريف والتبديل والتغيير فى التوراة والإنجيل) (مجلة فصول- العددان 83، 84) ألم يقل الشيخ كشك والشيخ الشعراوى وكل الشيوخ نفس الكلام؟ ورغم ذلك فإنّ د. حنفى يمتلك خاصية نفسية وعقلية تجعله لا يتردّد فى أنْ يقول عن نفسه (أنا شيوعى إخوانى.. وإخوانى شيوعى) .

الحوار المتمدن

 

 

Related

Share

Rating

0 ( 0 reviews)

Post a Comment

Category
Author
More Options
  • Recent
  • Popular
  • Tag
Tags