الإرهاب في أوروبا.. التحدي والاستجابة - Articles
Latest Articles

الإرهاب في أوروبا.. التحدي والاستجابة

الإرهاب في أوروبا.. التحدي والاستجابة

على كثرة الكتب التي صدرت في أوروبا خلال السنوات القليلة الماضية، وخاصة خلال السنتين الأخيرتين، إلا أنه يندر أن يكون مؤلفوها من ذوي الاختصاص العملي المباشر والخبرة اليومية في المجهود الأوروبي المتعلق بمكافحة الإرهاب، كما هو حال غريغوار ديميزون وفرانك بينو مؤلفي كتاب: «أوروبا في مواجهة الإرهاب»، الصادر مؤخراً في فرنسا، حيث إنهما ضابطان ساميان شابان في قطاع الدرك الوطني الفرنسي، ولديهما من الخبرة العسكرية والأمنية ما يجعلهما يكتبان عن هذا التحدي الجارف بقدر من الثقة والمصداقية قد لا ينافسه أي كاتب صحفي أو مؤلف أو خبير يكتب من خارج القطاع. ولذلك فقد جاء الكتاب مبْنياً على قدر غير قليل من المعلومات وقواعد بيانات مدققة وموثقة، من واقع تجربة الدول الأوروبية في مواجهة العنف والإرهاب. ولا حاجة هنا طبعاً للتذكير بأن هذا التحدي قد اكتسى خلال السنتين الماضيتين تحديداً أولوية خاصة حتى بالنسبة للمواطن الأوروبي العادي، مع تفاقم وتواتر ظاهرة الهجمات الإرهابية العنيفة في بعض أهم عواصم ومدن القارة العجوز، وفي الذهن هنا هجمات باريس المتوالية، وهجمات بروكسل، ولندن ونيس.. الخ. وقد زاد من أجواء الرعب والقلق في القارة من خطر هذه الموجة الجديدة تزامنها مع عاملين آخرين مؤثرين، هما دفق الهجرة الأخير من دول غير مستقرة وبؤر صراعات ونزاعات في جنوب وشرق المتوسط، من جهة، وصعود مد التيارات الشعبوية اليمينية في القارة الأوروبية نفسها، من جهة أخرى، وهي تيارات تستثمر عادة في مثل هذه المخاوف القائمة أصلاً، وتزيد على ذلك بكثير من التهويل الشعبوي لتحقيق أهداف سياسية انتهازية.

وقد كتب مقدمة هذا الكتاب الجنرال ريشار ليزوري، القائد العام لقطاع الدرك الوطني الفرنسي. وكما سبقت الإشارة فإن مما يزيد من قيمته خبرة مؤلفيه. فغريغوار ديميزون خريج من مدرسة «سان سير» العسكرية الفرنسية المرموقة، ويحمل رتبة مقدم في الدرك، كما عمل من قبل أيضاً في مهمات خارجية من بينها واحدة في أفغانستان، هذا فضلاً عن كونه متحصلاً على الدكتوراه في العلوم السياسية. وأما «فرانك بينو» فهو أيضاً مقدم من الدرك، وخريج «سان سير»، وقد خدم في مهمات خارجية في كوسوفو، والبوسنة والهرسك، ولبنان. ويعمل حالياً خبيراً في مكافحة الإرهاب ضمن البعثة الأوروبية في تونس. هذا فضلاً عن كونه متحصلاً على الماجستير في تاريخ العلاقات الدولية. ولذلك جاء كتاب هذين الضابطين، مشتملاً على مقاربة متكاملة تصف واقع تحدي الإرهاب كما هو أولاً، ثم تخلص، تالياً، لتقديم مقاربات ممكنة لصد هذا الخطر، واجتراح الاستجابات الاستباقية الكفيلة بمواجهته قارياً، ودولياً، بصفة فعالة.

وبين دفتي الكتاب الواقع في 152 صفحة يتتبع المؤلفان كيفية تنامي هذا الخطر، والحلول السياسية والأمنية التي اتبعتها دول القارة لأسباب ذاتية، معطوفة أيضاً على تلك التي انخرطت فيها ضمن جهد دولي متعدد الأطراف، وخاصة بالتعاون مع الولايات المتحدة منذ أحداث 11 سبتمبر، وفي سياق الحرب الدولية الشاملة على الإرهاب. وفي هذا الإطار يستعرضان الأطر التشريعية، وترسانات التدابير الاستباقية، والجهود الرامية لتجفيف منابع العنف تبريراً وتمويلاً وممارسة، على المستوى الأوروبي والدولي، مبرزين في هذا الصدد جوانب مما تحقق من نجاحات، وأخرى مما أثبت عدم كفايته وكفاءته من تدابير وسياسات عامة اتبعت في هذا المجال.

ويؤكد المؤلفان على أن الاستجابة لهذا التحدي الجارف، بالغ التعقيد، تقتضي مقاربة شاملة، تضع في الحسبان مختلف العوامل والمتغيرات المؤثرة في هذه الظاهرة، سواء في ذلك المتغيرات الداخلية في القارة الأوروبية نفسها التي تعيش فيها أقليات وجاليات كبيرة ذات أصول مهاجرة، أو المتغيرات الخارجية بحكم وجود مناطق أزمات ودول فاشلة وصراعات ملتهبة في مناطق واقعة على أبواب أوروبا، ويصل شرر حرائقها بالنتيجة إلى البيت الأوروبي نفسه.

ومفهومٌ أن المقاربة الأوروبية في ضوء هذه المتغيرات الداخلية لابد أن تهتم أولاً بالجوانب الاجتماعية والثقافية المتصلة بالجاليات ذات الأصول المهاجرة التي تنحدر منها نسبة كبيرة من الشبان المنخرطين في أعمال إرهابية في المدن الأوروبية، ويكون ذلك على نحو أفضل بمزيد من الاشتغال على مشروعات الاندماج في المجتمعات الأوروبية، وتجفيف منابع ثقافة التطرف والانعزال، وكذلك العمل على مكافحة استشراء البطالة والتسرب من المنظومة التربوية، وطبعاً تغيير طريقة إدارة المصالح العقابية ومؤسسات السجون، التي يسود اعتقاد واسع بين الخبراء بأن كثيراً من المتطرفين الأوروبيين تشربوا بين جدرانها أفكار التطرف العنيف، بعد أن تم إيقافهم فيها أصلاً بسبب جرائم أو مخالفات قانونية عادية متصلة بالحق العام.

وفي المجمل يقدم كتاب المقدَّمين غريغوار ديميزون وفرانك بينو مقاربة شاملة تنظر إلى تحدي الإرهاب نظرة تاريخية من جهة وراهنة من جهة أخرى، كما لا تغفل أيضاً الجوانب القانونية والاجتماعية والثقافية، والحلول الأمنية والسياسية، سواء بسواء، وفق قراءة شاملة متكاملة بعيدة عن الاستعجال أو الارتجال، كما هي حال كثير من الكتب «المسلوقة» الأخرى الصادرة خلال السنوات الأخيرة ضمن موجة التفاعل التجاري والإعلامي مع تحديات ظاهرة الإرهاب.

حسن ولد المختار

الكتاب: أوروبا في مواجهة الإرهاب

المؤلفان: غريغوار ديميزون وفرانك بينو

الناشر: نيفيس

تاريخ النشر: 2017

الاتحاد

Related

Share

Rating

0 ( 0 reviews)

Post a Comment

Category
Author
More Options
  • Recent
  • Popular
  • Tag
Tags