منذ دخولها إلى البيت الأبيض في واشنطن، كانت الابنة الأولى لرئيس الولايات المتحدة، «إيفانكا ترامب»، مثار جدل واهتمام كبيرين في الأوساط السياسة والإعلامية الأميركية، لاسيما عقب ظهورها في عدة اجتماعات رسمية في المكتب البيضاوي، حتى قبل تعيينها رسمياً مستشارة لوالدها.
وفي هذه الأثناء، طرحت «إيفانكا» كتابها الجديد المعنون: «النساء العاملات.. إعادة صياغة قواعد النجاح»، وفيه تركز «الابنة الأولى» على نساء الطبقة المتوسطة ميسورة الحال، وتحث قارئاتها على تحديد معيار النجاح وقواعد بلوغه وفق ما هو متسق متلائم مع ظروفهن الذاتية والموضوعية. وإذا كان الكتاب موجهاً لنساء الطبقة العليا أو ميسورة الحال أو الراقية، فهو على الأغلب لا يلائم واقع حياة شريحة واسعة من النساء الأخريات اللائي يعملن في وظائف متواضعة ويواصلن عملهن لساعات طويلة يومياً، ويكافحن في هذه الوظائف بأجور متدنية لإعالة أسرهن بصعوبة وكد كبيرين.
وبالطبع، لم يكن هذا الكتاب أقل إثارةً للجدل في الأوساط الأميركية على اختلاف مستوياتها، بين مؤيد ومعارض من الناخبين الأميركيين. لذلك تعلق المواطنة الأميركية «كارولين جونز»، على الكتاب، في أحد المنتديات التفاعلية على موقع «واشنطن بوست»، قائلة: «إن بعض الجمهوريين الأثرياء، سيشترون نسخ الكتاب كافة، حتى قبل وصولها إلى أرفف المكتبات».
بينما دافعت «سارة هانتر»، وهي من مؤيدي ترامب، عن المؤلفة قائلة: «عذراً إيفانكا.. فأنت لست سوداء، ولا نصف سوداء، ولا ديمقراطية، وليس في اسمك أوباما.. لذا فإنك ستجدين وسائل الإعلام الليبرالية تنبذ كتابك، ورغم أنهم لم يقرؤوه، فإنهم يكرهونه على أية حال».
بيد أن تركيز «إيفانكا» على نساء الطبقة المتوسطة الميسورة، ليس عملاً غير شائع في هذه النوعية من الكتب، إذ عادة ما تبدأ مثل هذه الكتب بمقدمة حول قدرة المرأة على تحسين وضعها في العمل بأن تكون أكثر ذكاءً في كيفية استغلال إمكاناتها الشخصية ومواهبها الذهنية. وقد يكون من الصعب والمعقد تقديم نصيحة لمن لا قوة لهن، وبالطبع سيكون ذلك أقل ربحية بالمعيار التجاري في عملية توزيع الكتب المنشورة حديثاً.
وعلى رغم من ذلك، يبدو الكتاب جديرا بالاهتمام إلى حد كبير، لاسيما أن مؤلفته ليست مجرد رئيسة تنفيذية لإحدى الشركات الناجحة العاملة في مجال الموضة، ومن ثم فهي مؤهلة لتقديم نصيحة لإبراز علامتها التجارية، ومن غير المرجح أن تخفق في عرض تفاصيل عملها الشخصي، خاصة أنها «الابنة الأولى» ومستشارة والدها الرئيس دونالد ترامب.
وبحسب الملاحظات المكتوبة على غلاف الكتاب، فقد ألفت «إيفانكا» «النساء العاملات» قبل ظهور نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2016 التي فاز بها والدها في مواجهة المرشحة الديمقراطية القوية هيلاري كلينتون، بينما كانت إيفانكا لا تزال بصورة رسمية مسؤولة تنفيذية في مجموعة شركات ترامب، وتترأس العلامة التجارية لوالدها في مجال الموضة. أما الآن، فقد أصبحت إيفانكا مستقرة في واشنطن، وقد حملت على عاتقها قضية تمكين المرأة في القوة العاملة.
وينطوي الكتاب على تصورات «إيفانكا» بشأن الاستثمار في رائدات الأعمال، وإجازة الأمومة، والفجوة بين الجنسين في التكنولوجيا، وغير ذلك من القضايا الكثيرة المتصلة بعمل ومشاركة المرأة.
وربما يمكن للكتاب تقديم مفاتيح إضافية بشأن شخصية ابنة الرئيس وحالتها المزاجية. وهنا نلاحظ أن كتاب «النساء العاملات» يتسم بالهدوء والرزانة على نحو لافت للنظر، مثلما تبدو «إيفانكا ترامب» نفسها في حياتها اليومية وخلال مشاركتها في الحياة العامة. وتقدم المؤلفة في كتابها، الذي يقع في 200 صفحة، رؤى جديدة حول النساء ولصالحهن في المراحل المبكرة من مسيرتهن نحول العمل وفي دهاليزه اليومية، وكيف يمكنهن الحصول على أجور أعلى وأكثر عدالة في البداية لدى التحاقهن بالوظيفة؟ وكيف يمكنهن اكتساب الثقة بأنفسهن والبحث عن عمل أفضل لديهن وأقرب إلى طموحاتهن وطبيعة شخصياتهن؟
وتنطوي لغة الكتاب على كثير من المصطلحات الاقتصادية المهنية، ربما تقلل من الطابع الإنساني والنفسي لكثير من المعالجات الواردة على صفحاته. وفي بعض الأحيان يبدو الكتاب مثل نسخة مكتوبة من برنامج تلفزيون الواقع، الذي كان يقدمه والدها «ذي أبرنتيس».
ويبدو «النساء العاملات» مثل مقتطفات من كتب لمؤلف معاصر، لديه شيء ليقوله حول التوازن بين العمل والطموح والأسرة والأطفال، وإحساس المرء بنفسه. وقد نجحت «إيفانكا» في جمع المعلومات، ونسبتها لمؤلفين مثل «ديفيد بروكس» و«آن ماري سلوتر» و«شريل ساندبيرج».
وتؤكد «إيفانكا» مراراً وتكراراً أنها تهدف بكتابها إلى مساعدة النساء، والرجال، على أن يحققوا أفضل ما لديهم في العمل. وتشجعهم على تحقيق النجاح وفق المعطيات المتاحة، وإن كان الكتاب في بعض صفحاته، يركز على «إيفانكا»، لكن ليس على شخصها، وإنما على علامتها التجارية.
وتقدم المؤلفة نصحية للنساء العاملات، لمواجهة الطرد من العمل، داعية إياهن إلى التفاوض، واستشارة محامي، والتأكد من أن أي شرط لعدم المنافسة ربما يكون موجوداً في العقد باطل قانونياً. وبالطبع، فإن هذه نصيحة جيدة لأي موظفة تنفيذية في قطاع الموضة، لكنها ربما لا تكون مناسبة لفتاة تعمل في أحد المصانع، وقد فقدت وظيفتها.
ولعل إيفانكا متوفر لها ما لم يتوفر لغيرها، فلديها أذن الرئيس الأميركي، وقد وعدت بالحديث إليه عن تحسين حياة المرأة العاملة. وهي في كتابها هذا، تسلط الضوء على قيمة وجود شبكة واسعة من المستشارين، والمرشدين، مؤكدة أن توفير سبل الرعاية المحتملة والموثوقة لأطفال المرأة العاملة أمر محوري. وأشارت إلى أن أصحاب الأعمال لا ينبغي أن يتعاملوا مع حمل الأطفال على أنه أمر مزعج. غير أن مستشارة الرئيس الأميركي لا تقدم تفاصيل حول كيفية تحويل هذه المعتقدات إلى واقع ملموس.
وتريد المؤلفة من النساء أن يتبعن شغفهن بالعمل، قائلة: «عليكن البدء باكتشاف ما تحبونه وما لا تحبونه بشكل عام، غير أن الاهتمامات الحقيقة لا تُكتشف دوماً من خلال البحث عن الذات، وإنما تظهر من خلال التفاعلات المتكررة مع العالم الخارجي».
ويبدو أنها تركز بدرجة أكبر على المساعدة في تعزيز حياة النساء العاملات، اللائي يبلين بلاءً حسناً بالفعل؛ إذ يبدو الكتاب قاصراً في تناول حياة النساء اللائي لا يعملن في المكاتب، وليست لديهن درجات مهنية، وكل ما يمتلكنه هو مجرد وظائف، وليست حياة مهنية.
وتبدو حياة «إيفانكا ترامب» مبهجة، فابنتها «آرابيلا»، تأتي في بعض الأحيان إلى مكتبها في البيت الأبيض، حيث يوجد لها مكتب صغير. وتستمتع «إيفانكا» بأوقات أسرية دون انقطاع، وزوجها «جاريد كوشنر»، الذي يعمل أيضاً مستشاراً لترامب، لديه تأثير هادئ عليها.
وائل بدران
الكتاب: «النساء العاملات»
المؤلف: إيفانكا ترامب
الناشر: بورتفوليو
تاريخ النشر: 2017
الاتحاد