دشن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فصلاً جديداً في العلاقات الأمريكية السعودية خلال القمة العربية الأمريكية الإسلامية التي انعقدت في الرياض.
ركز ترامب خلال خطابه على الشراكة بين الولايات المتحدة والدول الإسلامية لمواجهة الإرهاب، ولكنه أضاف إلى تنظيمي داعش والقاعدة ما اعتبر أنه إرهاب تتحمل مسؤوليته إيران، ومسمياً في خطابه كل من حزب الله وحركة حماس.
واعتبر ترامب القمة بداية السلام في العالم، وكذلك بداية النهاية لمن ينشر الإرهاب، وأوكل مهمة مكافحته للدول الإسلامية، بريادة المملكة العربية السعودية كقلب العالم الإسلامي.
الخطاب مثّل تغيراً كبيراً بالمقارنة مع خطاباته خلال حملته الانتخابية، والتي كان قد أعلن خلالها "أن الإسلام يكرهنا"، وذلك في مقابلة تلفزيونية مع شبكة CNN الأمريكية.
https://www.youtube.com/watch?v=C-Zj0tfZY6o
تغيير العدو التقليدي
القمة لفتت أنظار سكان الشرق الأوسط وخاصة الشباب الذين لجأوا كالعادة إلى مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن رأيهم في مجرياتها وفي خطاب الرئيس الأمريكي.
ورأى بعض المستخدمين أن الخطاب أعلن تغيير العدو التقليدي للشرق الأوسط، ليكون إيران بدلاً من إسرائيل التي طار إليها ترامب بعد القمة.
ورفض آخرون فكرة أن هناك مؤامرة عالمية على الشرق الأوسط تقودها الولايات المتحدة وأصروا على أن العرب شركاء في المؤامرة المذكورة.
وبحث عدد من المستخدمين عن أبرز تغريدات ترامب التي ذكر فيها السعودية، والتي تضمنت إشارات إلى أن على السعودية أن تدفع مقابلاً لحماية أمريكا لأمنها.
محاربة داعش
على الجانب الآخر هناك من رأى الخطاب إيجابياً والقمة ناجحة لأنها تعني أن الدول الإسلامية ستوفر مقاتلين لمواجهة تنظيم داعش، ولذا تم توجيه الاتهامات لأي شخص ضد القمة، بأنه صاحب مصلحة.
ومن المتفائلين من تمنى ألا يغير الرئيس ترامب خطابه بعد مرور أربع وعشرين ساعة أي بعد وصوله إلى إسرائيل.
نظرة شاملة
بعض من علقوا على الخطاب على وسائل التواصل الاجتماعي نظروا بشكل أشمل إلى الشرق الأوسط ومشروع تجديده، ومنهم من سخر من تسمية ترامب في خطابه الخليج بالخليج الفارسي ومنهم من أكد على ضرورة أن يقرر الشرق أوسطيون بأنفسهم المستقبل الذي يريدونه.
حديث الرؤساء الأمريكيين عن الإسلام ليس بالجديد، وإن كانت الأمور قد تأرجحت والمواقف قد تغيرت عبر تاريخ العلاقات الأمريكية - الإسلامية.
أوباما: الصلح بين المسلمين
خطاب ترامب مختلف تماماً عن آخر خطاب لرئيس أمريكي تناول الإسلام والمسلمين وهو خطاب الرئيس السابق باراك أوباما في القاهرة عام 2009.
حرص أوباما على أن تتضمن جولته بالقاهرة زيارة أحد المساجد التاريخية، قبل أن يتوجه إلى جامعة القاهرة حيث تحدث عن قيم الإسلام وتسامحه مطالباً بالصلح بين السنة والشيعة قائلاً: "إن الاسلام دين التسامح، يجب الحفاظ على ثراء التنوع الديني سواء كان ذلك بالنسبة للموارنة في لبنان أو الأقباط في مصر. وإذا كنا صادقين، يجب إغلاق خطوط الصدع بين المسلمين، ووقف الانقسامات بين السنة والشيعة التي أدت إلى عنف مأساوي، وخاصة في العراق".
بوش الابن: الحروب الصليبية
يبدو أن خطاب أوباما كان تغييراً لم يدم طويلاً خاصة أنه جاء بعد خطاب الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن عقب تفجير برجي التجارة في نيويورك، عندما بدأت أصابع الاتهام تتحرك صوب تنظيم القاعدة.
وفي محاولة لحث الشعب الأمريكي على الصبر في حربه على الإرهاب، صرّح الرئيس الأمريكي بوش الابن للإعلام "إن الحرب الصليبية تلك - الحرب على الإرهاب - ستستغرق وقتاً".
وصف بوش الحرب على الإرهاب بأنها "حرب صليبية" أثار استياء الشعوب الإسلامية عامة والمواطنين الأمريكيين المسلمين خاصة، فلأول مرة نجد رئيساً أمريكياً يتفوه بألفاظ عنصرية صريحة.
ريغان ودعم المجاهدين الأفغان
إن بحثنا عن رئيس أمريكي تشابه موقفه مع ترامب، سنجد أن أقربهم كان الرئيس الأمريكي رونالد ريغان الذي استقبل الملك فهد ابن عبد العزيز، ملك السعودية آنذاك، في واشنطن، وذلك في أعقاب قيام القوات الروسية بقصف بعض الطرق في كابول لقطع الامدادات عن المجاهدين الأفغان، مما أسفر عن وقوع عدد كبير من الضحايا.
تحدث ريغان بحضور الملك فهد قائلاً "إن الشعب الأمريكي يشاطر شعب المملكة العربية السعودية الغضب العميق إزاء العدوان المستمر والمجازر التي تحدث في أفغانستان. إن مواطني الديمقراطيات الغربية والعالم الإسلامي، ينبغي أن يقفوا معاً في مواجهة أولئك الذين يفرضون دكتاتورية على البشرية جمعاء".
كارتر يصر على احترام الأديان
في فبراير 1980، اقتحمت مجموعة من الطلاب السفارة الأمريكية بطهران واحتجزت 52 أميركياً كرهائن.
حينها بدأت أصوات العداء للإسلام والمسلمين تظهر على السطح الأمريكي وحاول الرئيس آنذاك جيمي كارتر احتواءها وأصدر بياناً للشعب الأمريكي قال فيه: "هناك استياء بين الأمريكيين اليوم مما يحدث في بلد إسلامي، وأنا أشاطر الجميع ذلك السخط. ولكن يمكنني أن أؤكد لكم أن هذا الغضب لن يكون ضد الإسلام والمسلمين. وأقول ذلك بثقة، لأن احترام الإيمان الديني مكون أساسي في ثقافة الشعب الأمريكي".
في البدء كان التضمين
خطابات الرؤساء الأمريكيين التي تناولت الإسلام بدأت في يونيو عام 1957 أثناء افتتاح الرئيس دوايت ايزنهاور أحد المراكز الإسلامية.
وأكد الرئيس خلال الافتتاح أنه بموجب الدستور الأمريكي والتقاليد الأمريكية، المركز الإسلامي موضع ترحيب، وبدون مفاهيم التنوع لن تكون أمريكا ما هي عليه.
واستمرت فكرة تضمين المسلمين في النسيج الوطني الأمريكي، فالرئيس جيرالد فورد حرص على تهنئة المسلمين بأعيادهم، وما زال خطابه الشهير في 14 أكتوبر 1974 بمناسبة عيد الفطر المبارك عالقاً في أذهان الكثيرين.
وكان قد قال فيه: "أود أن أقدم أحر تحياتي لجميع الأمريكيين من المسلمين. لقد استمدت أمتنا لقرابة مئتي عام قوتها من تنوع معتقدات شعبها، إن احتفالكم في هذه الأيام المقدسة هو تحصين ورفع لقدر كل واحد منكم، وإضافة على حيوية دولتنا".
ما دامت المصالح تتشابك وتتقاطع سيظل الإسلام والمسلمون جزءاً من خطابات الرؤساء الأمريكيين، وستبقى المواقف الأمريكية "شبه ثابتة" إزاء القضايا الإقليمية في الشرق الأوسط.