بعد كتابه الناجح حول هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة الأميركية عام 2011، والذي حظي بإشادة واسعة من قبل النقاد عقب صدوره في عام 2006، والذي استحق عنه نيل جائزة بوليتزر الشهيرة، يعود الكاتب والصحافي الأميركي لورانس رايت إلى موضوع الإرهاب من خلال كتاب آخر ليس هو بالجديد تمام الجدة، ذلك أن أحدث إصدارات «رايت» هو كتابه الذي نعرضه هنا وعنوانه «سنوات الإرهاب: من القاعدة إلى داعش»، وهو عبارة عن مجموعة من المقالات تتناول بالتحليل قضايا ومشكلات ذات صلة بظاهرة الإرهاب، وقد سبق أن نشرها خلال الفترة بين عامي 2002 و2015 في مجلة «ذا نيويوركر» الأميركية. وفي مقدمة كتابه الجديد، يعرب المؤلف عن أمله في أن يكون هذا الكتاب مفيداً لكل من يرغب في الاطلاع على «تطور الحركة الجهادية منذ سنواتها الأولى وإلى اليوم، وكذلك الأعمال التي قام بها الغرب في محاولة لاحتواء الظاهرة والقضاء عليها».
ثلاثة من هذه المقالات كانت قد وردت بشكل مختلف بعض الشيء ضمن كتاب سابق لرايت عنوانه «البرج الذي يلوح في الأفق»، وهي: «الرجل الذي وراء بن لادن»، وقد تناول فيه شخصية الزعيم الحالي لتنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري، و«محارب الإرهاب»، وهو حول عميل جهاز الـ«إف بي آي» المتخصص في محاربة الإرهاب «جون أونيل»، والذي كان مهووساً بـ«القاعدة»، وقد مات تحت أنقاض البرجين التوأم يوم 11 سبتمبر 2001، وأخيراً مقال «العميل» والذي يلقي فيه الضوء على عميل الـ«إف بي آي» الأميركي من أصل لبناني «علي سفيان»، الذي كان واحداً من بين قلة من المحققين الأميركيين في قضايا الإرهاب الذين يجيدون العربية وقد عمل عن قرب مع «أونيل».
أما بقية المقالات، فهي زمنياً تعد أحدث بعض الشيء، لذلك فهي تهتم بجوانب مختلفة من «الحرب على الإرهاب» منذ الحادي عشر من سبتمبر، ومنها: «شبكة الإرهاب» الذي يسلط فيه الضوء على الطريقة التي ردت بها إسبانيا على تفجيرات مدريد عام 2004، والتي أسفرت عن مقتل 191 شخصاً، ودفعت البلاد إلى سحب قواتها من العراق، و«المخطط الكبير» الذي يركّز على الجيل الثاني من مخططي «القاعدة» الاستراتيجيين، خاصة على «أبي مصعب السوري»، الذي خلص إلى أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر مثّلت كارثة بالنسبة للتنظيم، فاجترح الرجل في عام 2005 خططاً لمستقبل «القاعدة» تدعو من جملة ما تدعو إليه إلى إقامة خلافة إسلامية من النوع الذي أعلنه تنظيم «داعش» في عام 2014. ثم مقال «التمرد الداخلي» الذي يركز على متمرد آخر من «القاعدة» هو الطبيب المصري «سيد إمام الشريف»، المشهور بلقب «دكتور فضل»، الذي كان واحداً من أكثر منظِّري «القاعدة» الأيديولوجيين تأثيراً. «دكتور فضل» سُجن في مصر، ومن داخل زنزانته ألف كتاباً في عام 2008 ينبذ عنف «القاعدة». وكان يبدو أن مقال رايت، الذي كُتب في 2008، يذهب إلى أن تمرد «دكتور فضل» قد يؤشر على تخل وشيك عن الإرهاب من جانب التنظيمات الإسلامية المتشددة، لكن ذلك لم يحدث أبداً، بل إن تنظيم «داعش» فاق في ممارساته «القاعدة» عنفاً ووحشية.
أما المقال الأخير، فهو «خمس رهائن»، والذي نُشر في مجلة «ذا نيويوركر» العام الماضي، وهو الوحيد الذي يتناول «داعش»، التنظيم الذي حل محل «القاعدة» كأشهر تنظيم إرهابي في العالم. وفيه يصف رايت الجهود الخاصة الكبيرة التي بُذلت لتأمين الإفراج عن خمسة أميركيين مختَطفين في سوريا. فصل مؤلم نظراً لأن واحداً من أولئك الرهائن فقط، هو الكاتب المستقل «بيتر ثيوفيليس بادنوس»- عاد حياً بفضل تدخل الحكومة القطرية. أما الآخرون، فقد قُتلوا من قبل «داعش»، وفي حالات عديدة قام التنظيم بتصوير عمليات قطع رؤوسهم.
واللافت في هذا الكتاب أن المؤلف يبدو حاضراً في مقالاته كملاحظ محايد يقف على مسافة واحدة من الجميع، شخص يبدو كما لو أنه يسعى لفهم كل الأطراف. غير أن رايت، في الوقت نفسه، لا يفقد بوصلته الأخلاقية أبداً، إذ يكشف للقارئ خطر تنظيمات مثل «القاعدة» و«داعش»، ورغم انتقاده لقرار جورج دبليو بوش بغزو العراق، فإنه يبدو مؤيداً ومتفهماً لجهود محاربة الإرهاب.
محمد وقيف
الكتاب: سنوات الإرهاب.. من «القاعدة» إلى «داعش»
المؤلف: لورانس رايت
الناشر: نوف
تاريخ النشر: 2016
نقلا عن صحيفة الاتحاد