جيمس مكاولي*
بعد ثالث هجوم إرهابي دموي على بريطانيا في أقل من ثلاثة أشهر، تعهدت رئيسة الوزراء تريزا ماي يوم الأحد الماضي بأن «تعيد النظر» في استراتيجية بلادها لمكافحة الإرهاب، وأدانت ما أطلقت عليه «الأيدولوجية الشريرة للتطرف الإسلامي». وركز مسعاها الجديد لمكافحة الإرهاب على مجال أكثر تقنية بكثير وهو الإنترنت. وأعلنت ماي من أمام مقر رئيس الوزراء في 10 دوانينج ستريت يوم الأحد الماضي «لا يمكننا السماح بأن نوفر لهذه الأيدولوجية المساحة التي تحتاجها لتترعرع. لكن هذا تحديداً هو ما يوفره الإنترنت والشركات الكبيرة التي تقدم خدمات على الشبكة العنكبوتية». وشاع بين الضالعين في الهجمات الإرهابية في أوروبا الاتصال مع بعضهم البعض عبر تطبيقات مشفرة لتبادل الرسائل مثل برامج فايبر وواتسآب.
وفي مارس الماضي، أودى هجوم بالشاحنة أمام البرلمان البريطاني بحياة أربعة من المارة وضابط شرطة. وكشفت وسائل الإعلام البريطانية أن الجاني الذي يدعى خالد مسعود، وعمره 52 عاماً، كان يتواصل من خلال برنامج واتسآب قبل دقائق فحسب من تنفيذ الهجوم. وهذا دفع وزيرة الداخلية البريطانية «آمبر رود» إلى أن تناشد خدمات الرسائل كي «لا توفر مكاناً سرياً للإرهابيين كي يتواصلوا فيه ببعضهم البعض». ومازال من غير الواضح إذا ما كان استخدام مسعود لواتسآب له علاقة بالجريمة. وكان تفجير انتحاري قد أودى الشهر الماضي بحياة 22 شخصاً، خارج حفل في مانشستر. وأثار التفجير تكهنات من «ماي» وآخرين في الحكومة عن مشكلة الرسائل، لكن لا يوجد ما يؤكد أنها لعبت دوراً.
ولم يتضح أيضاً إذا ما كان أي من المهاجمين الثلاثة المعروفين في هجوم يوم السبت الماضي قد اعتمد على خدمة تبادل الرسائل المشفرة في التدبير لمخططهم. لكن «ماي» جادلت يوم الأحد الماضي لتدعو إلى المزيد من الرقابة الحكومية على الفضاء الرقمي، وهو جزء من برنامج حزب «المحافظين» فعلياً في الانتخابات البريطانية المبكرة التي تعقد في الأيام القليلة المقبلة. وأكدت رئيسة الوزراء على ضرورة العمل «مع الحكومات الديمقراطية للوصول إلى اتفاقات دولية تنظم الفضاء الرقمي لمنع انتشار الإرهابيين والتخطيط للإرهاب. ويتعين علينا بذل كل ما في وسعنا لنقلص مخاطر التطرف عبر الإنترنت». ودعا بيان حزبها بالفعل إلى إطار عمل تنظيمي لضمان التزام الشركات الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي ومقدمي المحتوى بالمعايير التي تمنع «التصرفات المسيئة».
وفي عام 2017، في أوروبا المحاصرة التي كافحت لمنع تصاعد غير مسبوق في العنف الإرهابي، لا يعتبر مقترح «ماي» جديداً. ففي السنوات القليلة الماضية، فُرضت بالفعل معايير مختلفة للرقابة الرقمية في دول مثل فرنسا وألمانيا، وهي أكثر اعتياداً على ذاك النوع من العنف الذي يضع أنظاره حالياً فيما يبدو على بريطانيا. ويعتقد محللون أمنيون أن المشكلة هي أن إجراءات الرقابة ليست دوماً فاعلة. ويعتقد رفايلو بانتوتشي الخبير في مكافحة الإرهاب في «معهد الخدمات المتحدة الملكي» البحثي، ومقره لندن، أن «المسائل الفنية مهمة وضرورية لتربك هذه الشبكات».
وعلى سبيل المثال، في فرنسا التي تعتبر أكثر بلدان أوروبا تضرراً من أعمال الإرهاب في الآونة الأخيرة، أقرت الحكومة تشريعاً شاملاًَ لعمليات المراقبة، وذلك بعد هجوم يناير عام 2015 على مكاتب صحيفة شارلي إيبدو. وتألم نشطاء من أن القوانين الجديدة سمحت للحكومة الفرنسية بمراقبة الاتصالات الخاصة للأفراد دون الحصول على إذن قضائي. ومن بين أشياء أخرى، تلزم القوانين أيضاً مقدمي خدمات الإنترنت بتبادل البيانات الكبيرة مع أجهزة الاستخبارات الفرنسية. لكن رغم تبني هذه القوانين وقعت هجمات أكثر دموية في فرنسا بعد ذلك بقليل.
ففي نوفمبر 2015، قُتل 130 شخصاً في هجوم من تدبير «داعش» على قاعة حفلات ومقاهٍ في أنحاء باريس. وفي يوليو 2016 دخل مهاجم، يُعتقد أنه استلهم أفكار «داعش»، بشاحنة ملغومة وسط حشد على شواطئ نيس، مما أدى إلى مقتل 86 شخصاً. ووقعت طائفة من الحوادث الأقل شأناً من حين لآخر منذئذ. وفي أكتوبر 2016 تبنى البرلمان الألماني قانوناً للمراقبة مناهضاً للإرهاب مثيراً للجدل، وهو إجراء سمح في جانب منه للحكومة بأن تتجسس على اتصالات الأجانب والمنظمات الأجنبية على الأراضي الألمانية. وتم العمل بهذا القانون في وقت مبكر هذا العام. لكن رغم آليات المراقبة السابقة المعمول بها بالفعل، استطاع تونسي، موال لـ«داعش» لم يفلح في الحصول على حق اللجوء، الدخول بشاحنة إلى سوق لاحتفالات الكريسماس في برلين ليودي بحياة 12 شخصاً.
*مراسل واشنطن بوست في باريس
واشنطن بوست