بعد مرور ١٥ عامًا على واحد من أكثر الأيام عنفًا وقسوة فى التاريخ الأمريكى، لا يزال الجدل مستمرًّا حول ما الذى تعنيه أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١.
فى الواقع، بالنسبة لبعض الأفراد، فإن الأمر يبدو واضحًا بشكل كافٍ، فقد مروا بتجربة مروعة وعانوا من مرارة فقد الأعزاء، حيث خسروا كمًّا هائلًا من الأصدقاء وأفراد العائلة الذين اختارهم الموت بشكل عشوائى، أو قادهم الواجب إليه.
ولكن لا يزال مكان هذه الأحداث فى حياتنا الوطنية محل نزاع، وعلى عكس قضية بيرل هاربر (غارة جوية مباغتة نفذتها البحرية الإمبراطورية اليابانية فى ٧ ديسمبر ١٩٤١ على الأسطول الأمريكى القابع فى المحيط الهادئ فى قاعدته البحرية فى ميناء بيرل هاربر بجزر هاواى، غير هذا الحدث مجرى التاريخ وأرغم الولايات المتحدة على دخول الحرب العالمية الثانية)، التى لم يتهم فيها أحد الرئيس فرانكلين روزفلت بالمبالغة فى رد الفعل على التهديد اليابانى الإمبراطورى، فإنه يتم إلحاق هذه التهمة بشكل روتينى فى تقييم الحرب الحالية ضد الإرهاب، فالجميع يرى أن الولايات المتحدة تبالغ فى رد فعلها فى مراقبة المواطنين، وفى استجواب، وقتل المقاتلين الأعداء، وفى استخدام الجيش لمواجهة التهديدات الناشئة.
وبعد مقتل زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، على وجه الخصوص، بدا البعض فى إدارة (الرئيس الأمريكى باراك) أوباما ينظر إلى تهديد الإرهاب كما لو أنه يتضاءل، ويمكن احتواؤه والتحكم فيه، ولكن فقدت هذه الرؤية مصداقيتها بشكل دراماتيكى مع انهيار السيادة الأمريكية فى قلب الشرق الأوسط، فى ظل استمرار ارتكاب الفظائع الجماعية ضد المدنيين فى سوريا، وأزمة اللاجئين التى تهز أسس الاتحاد الأوروبى، ومع إنشاء «شبه الدولة» التى يُزعم أنها الخلافة الإسلامية الجديدة، كما سيطر أيضًا تنظيم «داعش» الإرهابى على ثانى أكبر مدينة فى العراق منذ أكثر من عامين، ووجود هذه الخلافة المزيفة، وفقًا للخبير الأمنى خوان زاراتى، «أحيا شبكات الإرهاب فى أوروبا، وفى جنوب شرق آسيا، وفى منطقة الشرق الأوسط والأماكن الأخرى التى تعرضت للقمع من قبل».
ومن الواضح أن السلبية الموجودة فى الموقف الوطنى للولايات المتحدة الآن يمكنها أن تؤدى إلى وجود تحديات استراتيجية وأخلاقية خطيرة، ولكن النقاش الدائر حول تقاعس واشنطن بات قديمًا الآن، فقد أعاد الرئيس أوباما المستشارين العسكريين إلى العراق، وصعَد ضرورة التزام الولايات المتحدة بهزيمة داعش، كما بات هناك عدة آلاف من القوات الأمريكية الآن فى العراق وسوريا، ويجرى إحراز تقدم كبير للغاية، فأوباما يحاول تشكيل الدور الأمريكى الذى يوفر المعلومات الاستخبارية، والتنسيق، ووجود القوات الجوية مع العمل على زيادة قدرات الحلفاء والوكلاء، فعلى الرغم من أن هذا الجهد محدود وجاء فى وقت متأخر، ربما بعد فوات الأوان فى سوريا، فإن هذا النوع من الطاقة المبذولة هو الفعل الصحيح الذى يمليه سؤال: كيف يمكن للولايات المتحدة ممارسة النفوذ العسكرى الأقصى دون مخاطر الغزو والاحتلال؟.
وقد أنتجت الدعاية، ذات الهدف ضيق الأفق، التى يقودها داعش، وهو تجنيد متطوعين للقتال من أجل الخلافة، فى أوجه، ربما ٤٠ ألف مجند أجنبى، وفى الوقت الذى زاد فيه احتمال الموت تباطأ التجنيد، لكن الجهود المبذولة لمواجهة هذه الدعاية أدت لانشقاق البعض الذين يصفون ما يقوم به التنظيم بالأعمال الوضيعة، ويتحدثون عن الظروف البائسة التى كانوا يعيشون فيها، وعن خيبة التوقعات التى شعروا بها بعد الانضمام إليه.
وكان أحد ردود فعل التنظيم على النكسات العسكرية فى سوريا والعراق هو دعوته لهجمات إرهابية فى بعض الأماكن خارج دمشق وبغداد، فى فرنسا وأمريكا على سبيل المثال، وهذا النهج ليس جديدًا، لكن داعش جعله جزءًا أساسيًا من استراتيجيته.
ومحاربة الخلافة بطريقة جغرافية هو أمر تعد الولايات المتحدة الأفضل فيه، وذلك من خلال استخدام القوة المميتة بدقة كبيرة، لكن الخلافات حول المعتقدات والهوية الدينية بمثابة تضاريس غير مألوفة بالنسبة للحكومة الأمريكية، فالإسلاميون المتطرفون بدأوا، عبر وسائل التواصل الاجتماعية، والإنترنت، فى استغلال المجتمعات الغاضبة، والمدمرة، والضعيفة، ولذا فإن تحديد التطرف يتطلب الانتباه إلى الأفراد من قبل أفراد الأسرة، والأقران والأئمة، كما يتطلب خلق مناخ من الثقة بين مكتب التحقيقات الفيدرالى والمجتمع المسلم.
وفى هذا السياق، فإن النقاش الدائر، من قبل المرشح الجمهورى للرئاسة دونالد ترامب، أن أمريكا متدخلة فى العالم بشكل مبالغ فيه، ومتساهلة للغاية مع الإسلام، خاطئ تمامًا، فعندما يقترح إجراء اختبارات دينية على الحدود، أو يقلل من شأن اللاجئين المسلمين، أو يدعو إلى قتل عائلات الإرهابيين، فإنه بذلك يغذى الانقسام المجتمعى، وينفر حلفاء مهمين، ويعقد الحرب على الإرهاب ويعرض بلادنا لمخاطر إضافية.
وبعد مرور ١٥ عامًا على ١١ سبتمبر تبقى المهمة الرئيسية هى كسر العزلة الأيديولوجية والدينية للعدو، وإلا فلن نستطيع الانتصار فى صراع الحضارات الذى يرغب فيه الإرهابيون.
ترجمة فاطمة زيـدان
نقلا عن: المصرى اليوم