كان الملك عبدالعزيز مؤسس الدولة الثالثة لآل سعود يقول متفاخراً: “إن ورائي ما لا يقل عن أربعمائة ألف مقاتل ان بكيت بكوا وان فرحت فرحوا وان أمرت نزلوا على إرادتي وأمري وان نهيت انتهوا وهؤلاء هم جنود التوحيد إخوان من أطاع الله”.
هؤلاء الجنود لم يكونوا إلا النسخة الأولى من “داعش”. كانت جحافل “إخوان من أطاع الله” الفوج الأول من الإرهابيين أو أول طرح لبطن السلفية الوهابية وكان زعيمهم و إمامهم ومليكهم عبدالعزيز نفسه.
استعان عبدالعزيز بهذه القوة الدينية في حروبه لفرض حكمه حيث نجح في توحيد كل القبائل وهزم القوات العثمانية النظامية وجيش الشريف حسين. ونجح “إخوان من أطاع الله” في ترويع أرجاء الجزيرة العربية بأفعال دموية ووحشية لا تقل عن أفعال داعش وذلك لبث الرعب في قلوب المناوئين. وكان ابن سعود وحلفاؤه أبناء وأحفاد الإمام محمد بن عبد الوهاب يباركون أفعالهم في احتلال حائل والحجاز. بل أن ابن سعود سمح لهم بنهب جدة ومكة لمدة ثلاثة أيام، زادوها لخمس، كمكافأة لهم.
ولم تكن تلك الجحافل الإرهابية بمعزل عن تمويل الغرب أو رعايته لها كما تحوم الكثير من علامات الإستفهام حول دور أمريكا أو إسرائيل في خلق تنظيمي داعش والقاعدة. ويقول بعض المؤرخين عن تاريخ نشأة التنظيم الإرهابي الأول ان “إخوان من أطاع الله” السلفيين أنشأهم ومولّهم وسلّحهم ونظـّمهم ضابط المخابرات البريطاني، سانت جون فيلبي “الحاج عبد الله فيلبي”، في نجد عام 1914، بقيادة فيصل الدويش وسلطان بن بجاد. وأشرف على تنظيم دروس يلقيها عليهم الشيخ “عبد الله بن محمد بن عبداللطيف آل الشيخ” قاضي الرياض وحفيد محمد بن عبد الوهاب”، صاحب الحركة الوهابية”.
وكانت مصلحة بريطانيا وقتذاك ان تساعد عبدالعزيز في هزيمة العثمانيين فيما الأخير أراد أيضا الإطاحة بحكم الشريف حسين وانهاء مملكته في الحجاز، وهي نفس المصلحة التي جعلت جهاز المخابرات السي آي إيه يجند المجاهدين بمساعدة آل سعود للقتال في أفغانستان وكان الهدف تدمير الإتحاد السوفياتي عبر الحاق الهزيمة بقواته هناك.
ومثلما تحول الجهاديون في أفغانستان إلى إرهابيين حدث الأمر ذاته مع “إخوان من أطاع الله” فما تعلموه من ابن سعود ومن عبدالوهاب بأن الجهاد فرض عين على المسلم في كل بلاد المسلمين لنشر التوحيد لا يمكن تجزئته، ولهذا واصلوا غزواتهم نحو حدود الدول المجاورة وهو الأمر الذي أغضب بريطانيا التي تستعمر العراق وتدفع راتب ابن سعود. والأخير ضاق ذرعاً بجيش الإرهاب الذي كان يتفاخر بجنودهم وهم يسفكون الدماء وينهبون الأهالي “جهاداً” في سبيل إقامة مملكته.
وفي مؤتمر إعلان تأسيس المملكة أثارت “إخوان من أطاع الله” فتوى تقول ان مسألة الجهاد متروكة إلى الإمام (المقصود الملك عبدالعزيز) وعليه أن يراعي ما هو أصلح للإسلام والمسلمين. ولم يقبل الإخوان بهذه الفتوى وجاؤوا إمامهم عبدالعزيز يسألون: “كيف كان الجهاد مطلوباً لما كنت توسع من رقعة حكمك ولم يعد مقبولاً بعدما صار يتعرض لمصالح الدولة البريطانية وحلفائها؟”.
هو نفس السؤال الذي سأله اسامة بن لادن لآل سعود ولعلماء القصور الملكية، كيف كان الجهاد مقدساً برعاية السي آي إيه في جبال أفغانستان ضد الكفار السوفييت وهو الآن يسمى إرهاباً لأنه ضد الأمريكان ومن والاهم.
وهو نفس السؤال الذي تسأله "داعش" كيف يمكن أن يكون الجهاد مقدساً فقط في سوريا لكنه ليس كذلك في مصر أو العراق أو حتى السعودية نفسها.
على مدار قرن كامل جعل آل سعود الدين تكفيرا وترهيبا ووعيداً. وكانت كل منجزات مملكتهم تفريخ الإرهابيين الذين يعدون صناعة وهابية خالصة. وتحول القرآن إلى مخزون إستراتيجي للمملكة، فان اضطرها الأمر أحيت عقيدة الجهاد ضد الكفار، وحين تنتهي من مآربها وهي بالأغلب مآرب الغرب تحول الجهاديين الذين صنعتهم إلى إرهابيين. اساء آل سعود للإسلام الذي يحتكرون تمثيله والحفاظ على مقدساته أكثر مما أساء أعداءه حتى صار المسلم متهماً وعليه أن يعتذر عن كل قطرة دم سالت بفتوى من علماء ملوك آل سعود.
ومنذ قرن من الزمان حتى يومنا ظل آل سعود يحشدون الجهلة في تأسيس الجماعات الإرهابية حيث يستخلص مفهومهم للسلفية بمعاداة كل تطور وحضارة. وعبدالعزيز نفسه خاض معهم صراعاً طويلا بسبب التلغراف بعد أن حرموا استخدامه، وفي احد المؤتمرات التي جمعته بالتنظيم الإرهابي طرحت مسألة السيارة والتلفون والساعة ورد عبد العزيز إنها من الأمور النافعة لكنه على استعداد أن يمنعها ويدمرها بشرط أن يدمروا أسلحتهم وذخائرهم ويتوقفوا عن غزواتهم للدول المجاورة أو المستعمرات البريطانية.
ولم تكن تلك الصناعات وحدها من يعارضها هذا التنظيم الإرهابي الأم الذي جدد نفسه مرة تحت مسمى “القاعدة” ومرة اخرى تحت مسمى “داعش” فقد كانوا يعتقدون أن لا إسلام لمن لا يسكن الهجر ويترك حياة البادية فلا يسلمون على البدو الرحل ولا يأكلون من ذبائحهم. كما أنهم رأوا أن لبس العمامة هو السنة وأن لبس العقال من البدع المنكرة وغالى بعضهم فجعله من لبس الكفار.
وكانوا إذا وجدوا الثوب زائدا فإن المقص يقطع الزائد على الفور وهو المقص نفسه الذي يقطعون فيه أسلاك الهاتف الشيطانية ونجحوا في دفع الملك عبد العزيز إلى التنازل عن تلغراف المدينة اللاسكلي عام 1926 استجابة لهم.
قرن من الزمان والتاريخ يعيد نفسه في مملكة تفريخ الإرهابيين منذ ان قامت على شرعية دينية زاوجت بين السياسة والدين فالسياسة لآل سعود والدين لآل الشيخ (عائلة محمد عبدالوهاب) لكن سرعان ما هيمن آل سعود على المؤسستين وصارت الفتاوي تخرج من قصر الملك ممهورة بتوقيع المفتي.
وأكثر ما يثير التندر بمشهد اليوم ان السلفية الوهابية التي يستمد آل سعود شرعيته منها هي المصدر الحصري للإرهاب وان المملكة قامت على يد جحافل إرهابية لا تعترف بحدود وترتكب بغزواتها افظع المذابح، وكان جنودها يرمون أنفسهم للموت مقابل أن تتوسع مملكة آل سعود لنشر رسالة التوحيد مثلما اصبحوا اليوم انتحاريين بحزائم ناسفة. رغم كل هذا لم يمنع آل سعود في زمن البلطجة والشبيحة والإرهاب ان يتهموا غيرهم بتصدير الإرهاب وليسوا هم. مثلاً: الإخوان أو قطر أو حماس التي تقاوم "إسرائيل".
نظام المهداوي / هافينغتون بوست