مايكل منير
تشربت مصر عبر تاريخها، تأثيرات ثقافية عديدة: منذ العصور الفرعونية مروراً بالعصور الإغريقية والرومانية وبعدها العربية والإسلامية ثمّ العثمانية، وكل فترة ألقت بظلالها على نوعية الأسماء التي تسمّى بها المصريون.
أما في العصر الحديث، فتنوع اختيار الأسماء مع انفتاح مصر على العالم، واحتضانها جاليات من أرجاء العالم، وتنوع علاقات طوائفها وفئات المجتمع داخلها، والأمثلة على ذلك لا تعدّ ولا تحصى.
ومع أنّ هذا ليس حكراً على مصر وحدها، إلا أنّ ما يعتبر اسماً تقليدياً أو شائعاً، أو محبباً أو نادراً، هذه كلها تعتمد على الثقافات المحلية وحتى على مناطق بعينها، إذ تستوحى شعبيتها من القيم والعادات السائدة.
أزمة الهوية كما انعكست في أسماء المواليد
مؤخراً، قدّم النائب البرلماني بدير عبد العزيز مقترحاً للبرلمان المصري يطالب بمنع تسمية أبناء المصريين بما وصف بـ"الأسماء الأجنبية الأعجمية"، وأن يتعرض من يقوم بذلك للعقوبة، وبأن يكون اختيار الأسماء محصوراً باللغة "العربية".
ولكن المقترح لم يعرّف معنى هذه التصنيفات، ما هو معيار الحكم على الأسماء؟ فما الذي يجعل كلمة معينة عربية؟ أو إسلامية؟ وما الذي يخوّلها أنْ تكون أجنبية؟ وهل يكفي ذلك للتعبير عن الهوية المصرية؟
المقترح طالب بتعديل مواد قانون رقم 143، لسنة 1994، بشأن الأحوال المدنية، وتحديداً المادتين 21 و66 من القانون، بإضافة "شرط ألا يكون اسم المولود أجنبياً" إلى شروط تسمية المواليد، وأن يعاقب المخالف بغرامة لاتقل عن 200 جنيه، ولا تزيد عن 2000 جنيه.
وبالتحديد، يطلب الاقتراح أن تنص المادة 21 من قانون الأحوال المدنية، على أنه: "لا يجوز اشتراك أخوين أو أختين من الأب باسم واحد، كما لا يجوز أن يكون الاسم أعجمياً أو مركباً أو مخالفاً للنظام العام أو لأحكام الشرائع السماوية".
وأنْ تنصّ الفقرة الثانية من المادة 66 بعد الاقتراح على أنّه "يعاقب على مخالفة أحكام المادة 21 بغرامة لا تقل عن مائتين جنيه ولا تزيد على ألفي جنيه"، أي ما يعادل ما بين 10 إلى 100 دولار أمريكي.
المبلغ بقيمته المادية، إنْ كان العقوبة الأوحد، لا يشكل أزمة بحد ذاته، ولكن القيمة الرمزية التي يعبّر عنها، سواء تمّ سحبه أمْ لا، هي الأخطر، خاصة أنّها مأشرٌ لأزمة أعمق تعيشها مصر اليوم.
يقول النائب بدير عبد العزيز، عضو مجلس النواب عن محافظة كفر الشيخ، ومقدم الاقتراح لرصيف22، إن مشروع القانون "همّه الحفاظ على الهوية الشرقية الإسلامية في مصر، بعدما انتشرت ظاهرة تسمية الأسماء الأجنبية بشكل مبالغ فيه".
ويقول عبد العزيز بأنه قررّ ذلك بعد تجربة شخصية، حيث قام برصد تلك الحالة وأزعجه انتشار الأسماء الأجنبية في مصر مثل "آنّ".
الطريف في هذه الأزمة أنّ النائب نفسه يحمل اسم "بدير"، وهو اسم مصري محلي، لا يمكن العثور عليه في قواميس اللغة العربية، إلا إنْ كان يلفظ "بُدَيْر" فيصبح صيغة تصغير لـ"بدر"، وهذا ليس الحال هنا، إذاً هو اسم محليّ أو صيغة محورة لاسم عربي.
يؤكد عبد العزيز أنه لاقى انتقاداً كبيراً خاصة من المسيحيين، ومن النوّاب في دوائرهم. وتركزت الانتقادات على اعتبار أن الحديث عن الهوية الإسلامية لمصر حديث انتقائي، ونظرته للتاريخ إقصائية.
وانتقده الكثيرون متهمين إياه بتجاهل قضايا أهم، مثل الاستثمار والجمعيات الأهلية وغيرها، مؤكداً أن هذا الانتقاد أجبره على التراجع وسحب اقتراحه من البرلمان.
مصر بلدٌ لكلّ سكانها
قابل الأنبا رافائيل، سكرتير المجمع المقدس بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية، والرجل الثاني بعد البابا تواضروس بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، الاقتراح بالرفض جملة وتفصيلاً.
وعلّق عليه عبر حسابه الشخصي على فيسبوك قائلاً:
"مش فاهم يعني أسماء أجنبية؟ هل إسمى رافائيل يعتبر أجنبياً؟ هل الأسماء ذات الأصول المصرية مثل مينا وأحمس وإيزيس تعتبر أجنبية؟ هل سيتسمى الكهنة بأسماء عربية مثل أبونا علي وأبونا عمر وأبونا أبو بكر؟ هل انتهت مشاكل مصر والعالم العربي حتى ينشغل برلماننا المبجّل باسماء المواليد؟ ما هذا؟"
وشدد رفعت فكري، راعي الكنيسة الإنجيلية بشبرا، في تصريحات لرصيف22، على أن المقترح لا يهدد الهوية الإسلامية بل الهوية الإنسانية، فالتسمية حقّ أساسي لأيّ إنسان.
وتساءل، أيّ بلد يجبر مواطنيه على الالتزام بأسماء معينّة، فهو انتهاك فاضح للحريات، مؤكداً أن المسيحيين يسمون أسماء ليست عربية بل يونانية قديمة مثل فلوباتير وسرجيوس وغيرها.
فهل تاريخ مصر الذي سبق العرب والإسلام، واستمرّ في ثقافة سكان مصر، ليس جزءاً من هويتها؟ ومن له الحق في إلغاء ذلك؟
أقوال جاهزة
شارك غردفكرة التحكم بأسماء المواليد يهدد الهوية الإنسانية والحريات الفردية في مصر
شارك غردهل سيتسمى الكهنة بأسماء عربية مثل أبونا علي وأبونا أبو بكر؟ مشروع منع الأسماء "الأجنبية" في مصر
اللغة العربية حيّة ومرنة، والإسلام دين التنوع
قالت فاطمة الصعيدي، أستاذة اللغة العربية بجامعة حلوان، لرصيف22 إن هذا المقترح "لا يحمي ولا يفيد اللغة العربية، فقوة اللغة العربية تكمن في مرونتها وفي التنوع والغنى الذي استمدته من الإبداع الفكري في مختلف بقاع العالم الإسلامي".
واعتبرت أن الحفاظ على الهوية العربية الإسلامية يعني حماية غناها ومرونتها، أمّا الانغلاق فهو مخالف لها ويعتبر تشويهاً لأهم معالمها، مؤكدة على أنّه على مر العصور دخلت أسماء جديدة على اللغة، حتى أن القرآن نفسه استخدم أسماء أعجمية.
والدين الإسلامي، الذي يعتنقه اليوم ملايين المسلمين من كل ثقافات العالم، منذ بداياته حتى اليوم بني على استيعاب التنوع.
ولكن الأصولية الدينية التي انتشرت في مصر كانت سبباً في تراجع الأسماء المشتركة بين المسيحيين والمسلمين. تقول الصعيدي: "الإغراق في الأصولية الإسلامية والمسيحية أدى لتراجع الأسماء المشتركة بين المصريين مثل عادل ورمزي وأيمن، والتي كانت منتشرة قبيل السبعينيات، وبعد المد الديني، كل فئة ترسخت لديها الهوية الدينية بشكل أكثر، خاصة بعد إقحام الدين في السياسة".
يقول محمد نوّار، كاتب وباحث في الدراسات الإسلامية في مقال باسم "الأسماء المشتركة"، أي التي لا تحمل دلالات دينية، إنّ ظاهرة الأسماء المـشتركة كانت مـنتشرة بين المصريين مثل عادل، وسامح، وأشرف، ومنى، ونادية، وسلوى.
وهناك أسماء مثل، رمسيس، إيزيس، مينا، ميريت، يعتقد البعض أنها أسماء مسيحية، مع أنها أسماء مصرية فرعونية ولا علاقة لها بالدين. ولكن، هل يُعتبر الفراعنة مصريين؟ ومن يحدد ذلك؟
يتابع نوّار: "تغير الوضع بعد ظهور حركات الإسلام السياسي في السبعينات، وبدأت تنتشر بين المسلمين المصريين أسماء إسلامية للذكور مثل عمر، إسلام، وأنس، وللبنات مثل أسماء، شيماء، زينب".
ونفس الشىء فعله المسيحيون المصريون كرد فعل، فانتشرت بينهم أسماء مسيحية للشباب مثل أبانوب، إبرام، بشوي، وللبنات مثل ايريني، تريزا، ميرا، وبقي إسم مريم إسماً مشتركاً بين المصريين مسلمين ومسيحيين.
تطورت أسماء المصريين مثل "الموضة" لتعكس ثقافة المجمتع وعاداته وتقاليده كما تقترح سامية حسن الساعاتي في كتابها المتخصص بالأسماء المصرية، والذي يحمل عنوان أسماء المصريين: الأصول والدلالات والتغير الاجتماعي.
يختار بعض المصريين لأبنائهم أسماء لا معنى لها أو "طلاسم" خوفاً من الحسد، مثل خيشة وعفشة ونحمده وكعويرة
شارك غرد
إنّ هناك دلالات اجتماعية للأسماء، كما تقترح الساعاتي، فالتسمية، مهما كانت، لها منطق وهي تعبّر بصورة مختزلة ومركزة عن القيم الشائعة في ثقافة المجتمع.
تكشف عادات التسمية عن قيم وعادات اجتماعية ذات دلالة خاصة، يمكن تصنيفها إلى أعراف وتقاليد وسنن وهي ذات أهمية كبيرة في فهم ثقافة أي مجتمع، فقد تكشف عن خوف من الجسد، أو عن احترام للوالدين، أو عن اتجاهات التجديد أو التقليد.
وتطور الأسماء مثل الموضة في الأزياء، فهي تنتشر من الطبقات العليا إلى المجال الشعبي ومن المدن إلى الريف، فكانت هناك أسماء مثل فريدة وأماني، لم يعرفها سكان الصعيد إلا من خلال الإعلام.
وأحياناً تنتقل أسماء معينة من الريف إلى المدينة، حيث يختارها الناس كنوع من الرجوع إلى "الأصل" والبساطة، مثل هنادي.
أسماء المصريين ارتبطت بالحضارات المتعاقبة على مصر كما تؤكد الساعاتي في كتابها. ويمكن تقسيم أسماء المصريين إلى ثلاثة أقسام: أسماء مستمدة من مصر القديمة، وأسماء من الأناجيل وأسماء شخصيات من اليونان والعرب والأتراك، ممن سكنوا مصر وكانوا من أهلها.
ورصدتْ الساعاتي ظاهرة أخرى في التغييرات التي أدخلها المصريون على الأسماء العربية، مثل اسم زينب الذى صار "زنوبه" و"زوبه" ثم تحوّل إلى "زيزي".
واسم عائشة الذي صار "عيوشة"، ثم تحوّل إلى "شوشو"، واسم خديجة الذي تحوّر إلى "خدوجة" وإلى "جيجي"، وأوضحت أن هذه التحولات في الأسماء العربية هي نوع من التدليل (أو الدلع) وهذا صحيح لكن الظاهرة تحمل في طياتها الرغبة بالتغيير، وتعكس تماشياً مع العصر.
وتروي الساعاتي أن المصريين قاموا بتسمية أبنائهم بأسماء ليس لها أي معنى أي مطلسمة - أو طلاسم - خوفاً من العين والحسد، مثل خيشة وبخاطرها، وعفشة، ونحمده، وغلبانه، وكعويرة، وجعلص، وحبرك، وذربيحة.
وهناك الأسماء الفلكلورية المستمدة من الفولكلور المصري وما يتضمنه من قصص ومواويل وأغانٍ شعبية مثل: أدهم الشرقاوي وقطر الندى وناعسة، وبهية، وأبو زيد الهلالي، ونعيمة، وهذه الأسماء تشيع في الثقافة المصرية الريفية.
وهناك أسماء مرتبطة بحدث شخصي مثل الأسر التي تسمي ابنها الذي يرزق به بعد ضائقة مرت بها ثم انفرجت "فرج"، أو من يسمي ابنته بعد نجاته من حادثة ما "فدوى"، أو من تسمي طفلها "عوض" كتعبير عن امتنان للخلاص من مصيبة أو خسارة.