تحمل دراسة بريطانية العربية السعودية مسؤولية مساهمة محورية في تطرف بعض المسلمين، فيما تقول الباحثة الألمانية سوزانه شروتر إن التأثير الوهابي في ألمانيا أيضاً يتم تقويته بدولارات النفط.
في ضوء الهجمات الإرهابية التي ما برحت تضرب مناطق مختلفة من العالم، بوتيرة تزداد وحشيتها، لتشمل أيضاً عواصم أوروبا وحواضرها، بدأ التحالفات والاستراتيجيات لمكافحة الإرهاب تبحث عن موارد تغذيته ومصادر تمويل التطرف الذي يشكل الأرضية التي يترعرع فيها الإرهاب. وأُثيرت الكثير من التساؤلات حول العلاقة بين البترودولار الخليجي ودعم التطرف، وتتجاوزها إلى تقديم وسائل الدعاية والمعرفة التنظيمية، كما ترى الأستاذة سوزانه شروتر مديرة مركز البحوث بفرانكفورت حول الإسلام العالمي، ومديرة معهد علم الأعراق. DW التقت الخبيرة الألمانية للوقوف على هذه العلاقة:
DW: بعد الاعتداءات الإرهابية في بريطانيا يتم البحث هناك عن الأسباب وراء التطرف. وتحدث تقرير صادر مؤخراً عن التمويل الأجنبي لمظاهر التطرف الإسلامي في بريطانيا تُذكر فيه المملكة السعودية كداعم أساسي لمظاهر التطرف هذه. وجاء فيه أيضاً أن الرياض في السنوات الخمسين الماضية دعمت تصدير الوهابية بصرف 76 مليار يورو على الأقل. هل يفاجئك هذا الاستنتاج؟
شروتر: هذه النتيجة لا تفاجئني، إنه معروف منذ مدة أن العربية السعودية تصدر إيديولوجيتها الوهابية ـ التي تشبه إلى حد كبير إيديولوجية ما يسمى تنظيم "داعش". ولا يقتصر الأمر على صرف المال، بل هناك وسائل الدعاية والمعرفة التنظيمية. ويتم تكليف أناس بتشييد مساجد ومؤسسات تعليمية ومراكز ثقافية وما شابه ذلك تُلقن فيها هذه الإيديولوجية الوهابية ـ وذلك بنجاح كبير.
أين يُلاحظ هذا التطرف المدعوم بالبترودولار؟
تصدير الوهابية ازداد قوة لاسيما عقب الثورة الإسلامية في إيران، هذه الثورة هزت كيان السعوديين بقوة. وعندما شرعت إيران في تصدير إيديولوجيتها الشيعية، شعروا هناك بالتهديد. بموازاة ذلك احتل في السنة نفسها متشددون المسجد الكبير في مكة. وعلى إثرها اتخذ السعوديون نهجاً هجومياً وقالوا: الآن سنصدر إيديولوجيتنا. نبين للمتشددين في البلاد أننا نقدر على ذلك.
وبدأ البحث عن رجال اتصال ومنظمات مثل اتحاد المسلمين العالمي في مختلف البلاد في آسيا وإفريقيا وفي أجزاء في أوروبا لدعم الوهابية. وفي أوروبا ولاسيما في يوغوسلافيا السابقة حيث حصلت حروب أهلية بين المسلمين والمسيحيين. ولوحظ أن هناك منفذاً وبأن هناك حاجة إلى المال وأن السكان المسلمين منفتحين على إيديولوجية جديدة راديكالية.
الأستاذة سوزانه شروتر: نلاحظ أن مؤسسات سعودية تعمل في كل مكان، وفي الخفاء أيضاً عبر رجال اتصال مثلاً عبر نديم إلياس الذي كان حتى 2006 رئيساً للمجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا.
والنتيجة هي أن شكلاً راديكالياً للإسلام بدأ يظهر في كثير من أجزاء العالم. عايشت هذا الأمر في جنوب شرق آسيا في جنوب تايلاند والفلبين واندونيسيا وجزئياً في ماليزيا حيث قيل دوما بأن هذا إسلام متميز يتصف بمزيد من الانفتاح والتسامح.
وقد ظهر في العقود الثلاثة الأخيرة تطور مثير في اتجاه التطرف. ومفهوم كلياً أن هذا التطور حصل بدعم أموال سعودية، وكذلك من خلال استقطاب مفكرين شباب بإعطائهم منحاً سخية للدراسة في جامعات سعودية. وهؤلاء العائدون من الجامعات السعودية مارسوا في جميع تلك الدول فجأة عمل التبشير في خدمة الوهابية.
حتى بيير فوغل الداعية الإسلامي الألماني المعروف درس بمنحة سعودية في مكة. ولدى العربية السعودية على ما يبدو تأثير على وسط المسلمين في ألمانيا، حسب ما تزعمه وسائل الإعلام في 2016 استناداً إلى مصادر أجهزة استخبارات. ويُذكر أن مؤسسات دينية من دول الخليج وخاصة من العربية السعودية بدعم من حكوماتها تدعم الأوساط السلفية. إلى أي مدى يتطابق هذا مع نتائج بحوثك؟
هذا يتطابق تماماً. وكانت بعض المؤسسات الحكومية السعودية مساهمة في ذلك جزئياً. وكان هناك ملحق سعودي في برلين وهو محمد فكيري كانت له اتصالات مع الخلية الإرهابية في هامبورغ التي نفذت في 2001 الاعتداء على مركز التجارة العالمي في نيويورك.
فكيري كانت له أيضاً اتصالات مع مسجد النور في برلين الذي يثير من حين لآخر الانتباه كنقطة لقاء للسلفيين. هذا الملحق لم يعد موجودا، لكنه أثار الانتباه سابقاً.
نلاحظ أن مؤسسات سعودية تعمل في كل مكان، وفي الخفاء أيضاً عبر رجال اتصال مثلاً عبر نديم إلياس الذي كان حتى 2006 رئيساً للمجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا. وهناك أيضاً موظف سامي آخر في المجلس المركزي للمسلمين وهو إبراهيم الزيات الذي ترأس من 2002 حتى 2010 الجالية الإسلامية في ألمانيا. وعندما نسأل الناس، فإنهم يحاولون دوماً التهرب. لكن واضح أنه حتى في ألمانيا يوجد منظمات وأشخاص يأخذون تفويض نشر الوهابية بين المسلمين الألمان على محمل الجد.
إذا زاد عدد المنتمين في هذه الأثناء للوسط السلفي في ألمانيا، حسب التقرير الجديد لأجهزة الاستخبارات الداخلية ليتجاوز 10.000 شخص، فإن هذا له أسباب أخرى إلى جانب الدعم السعودي، أليس كذلك؟
هذا بديهي. أولاً ليس السعوديين وحدهم من يمول. فهناك أيضاً الحديث عن قطر. وهذا صحيح، فالقطريون أيضاً يمولون والكويت هي الأخرى. وهناك فاعلين آخرين من الخليج يدعمون توجهات راديكالية هنا في ألمانيا ـ وحتى إيران. إيران فتحت معهداً في برلين ينشط في نشر الإيديولوجية. أفترض أنه لو تمعنا في تدفق الأموال لانتابنا الاستغراب. ألمانيا هي على كل حال منطقة عمليات لمنظمات متطرفة أجنبية.
النمسا قامت في فبراير/ شباط 2015 في خطوة مثيرة بتعديل "قانون الإسلام" الذي يعود لأكثر من مائة سنة، ومنعت تمويل النوادي الإسلامية والمساجد من الخارج. ما هي التجارب التي عايشتها النمسا في السنتين الماضيتين؟
النجاح الذي يمكن فعلا تسجيله هو أنه لم يعد سهلاً تحويل أموال. لكن لا يحق تصور أشياء أخرى، فعبر مؤسسات ووسطاء ومنظمات مبهمة تحصل كما كان في السابق مؤسسات إسلامية على أموال. من الصعب الكشف عن هذه الأمور ومنعها، لأن المنظمات تغير باستمرار اسمها وهي تنحل وتظهر من جديد. يجب الإمعان بدقة في الفاعلين الذين لهم اتصالات مع منظمات لها ارتباط بمنظمات أخرى في البلدان الأصلية؟
الأستاذة سوزانه شروتر مديرة مركز البحوث بفرانكفورت حول الإسلام العالمي، ومديرة معهد علم الأعراق.
أجرى المقابلة ماتياس فون هاين