حذر الفريق ستيفن تاونسند، قائد التحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في العراق، من أن الحرب ضد التنظيم لم تنتهِ بعدُ رغم الانتصار التاريخي في الموصل؛ حيث إن التنظيم سيحاول طرح نفسه بصورة جديدة، ما لم تتمكن بغداد من التواصل مع العراقيين السُّنة والتصالح معهم.
وأشار المسؤول العسكري الأميركي، في مقابلة مع شبكة "بي بي سي" البريطانية، إلى أنه "على العراقيين التواصل والتصالح مع السُّنة، وجعلهم يشعرون بأن الحكومة العراقية تمثلهم".
وما يبدو كأنه نصيحة أميركية لبغداد، هو في الواقع استنكار للسياسات الحكومية السابقة تجاه السنة في البلاد.
ومن ثم، إذا كان التواصل والتصالح مع السنة قادرَين على منع عودة ظهور الإرهاب مجدداً في البلاد، فذلك يعني أن سياسات الحكومة العراقية المناهضة للسنة هي التي أفضت إلى ولادة النسخة الأولى من "داعش"، وفقاً لمقال تحليلي نشرته وكالة الأناضول، الجمعة 21 يوليو/تموز 2017 للكاتب حسين عبد الحسين المحلل السياسي في واشنطن.
الحرب الأهلية
وترى واشنطن أن موقف الشيعة العراقيين تجاه بنو جلدتهم السنة هو من أشعل فتيل الإرهاب في المنطقة، إلا أن بطئها في إدراك ذلك أسهم، عن غير قصد، في تحقيق التوازن لصالح الشيعة، لا سيما خلال المراحل المبكرة من حربها في العراق.
ومن المعروف أن إخماد نار الحروب الأهلية التي شهدها التاريخ يحتاج لزمن طويل، إلا أنه يبدأ دائماً من خطوة طي الصفحة وإعادة العلاقات بين الفصائل المتحاربة.
وهذا تماماً ما طبقه لبنان لتجنب الصراعات الدينية والحزبية، وطي صفحة الحرب الأهلية التي استمرت 15 عاماً.
وفي العراق المتنوع دينياً ومذهبياً، نسخت أميركا نظاماً سياسياً من واقع لبنان ذي النسيج الاجتماعي المشابه، إلا أنها لم تكرر في عراق ما بعد صدام سيناريو قانون "العفو العام" الذي أصدرته الحكومة اللبنانية في عام 1991 بخصوص "الجرائم المستمرة بعد انتهاء الحرب".
وبدأت الحرب في لبنان، في 13 أبريل/نيسان 1975، وانتهت في 1990 مخلفة وراءها أكثر من 150 ألف قتيل و17 ألف مفقود.
لكن في العراق، بدلاً من طي الصفحة، تدخلت أميركا في الصراع الشيعي-السني من خلال الموافقة على سلسلة من الخطوات التي وضعت السُّنة العراقيين في مواجهة مباشرة مع الشيعة المدعومين من إيران.
تهميش
وابتداءً من اجتثاث حزب البعث العراقي، وانتهاءً مع حل الميليشيات القبلية السُّنية، والمعروفة باسم "الصحوات"، سمحت واشنطن لطهران بتهميش السُّنة.
و"الصحوات" أو ما يعرف أيضاً بمجالس الإسناد أو الإنقاذ، هي تجمعات عشائرية عراقيّة سُنّيّة أنشئت بعد الاحتلال الأميركي للعراق، وتلقت تدريباً أميركياً، لمواجهة تنظيم القاعدة في البلاد وإيقاف الفتنة.
ونظراً إلى أن لكل فعل ردَّ فعل، وبسبب تضييق الخناق على السنة، توجه العديد منهم للانضمام إلى جماعات مثل "القاعدة"؛ ما أدى إلى عودة ظهور الجماعة الإرهابية، التي تمت إبادتها بالتزامن مع انسحاب أميركا من العراق أواخر2011.
وتاريخ الحرب العراقية، الذي لم يكتب بموضوعية بعدُ، يسرد في الوقت الحاضر، أن أميركا غزت البلاد في عام 2003، وأطلقت صراعاً دموياً استمر حتى اليوم، إلا أن ما حدث بالفعل كان مختلفاً نوعاً ما.
ونجحت القوات الأميركية في تقليص عدد القتلى من المدنيين العراقيين من 13 ألفاً و363 قتيلاً في عام 2007 إلى 3 آلاف و36 قتيلاً في عام 2011 ، قبل أن يعود العدد إلى الصعود مجدداً ليصبح 9 آلاف و851 قتيلاً في عام 2013، بحسب المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)، وهو مركز أبحاث أميركي مقره واشنطن.
وخلافاً للاعتقاد السائد، بأن الانسحاب الأميركي من العراق في ديسمبر/كانون الأول 2011 لم يكن العامل الأساسي في تدهور الأمن العراقي؛ بل كان في الحقيقة يعكس قرار إدارة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، الرامي إلى التعامل مع الحكومة العراقية الشيعية بقيادة رئيس الوزراء نوري المالكي كنظير سيادي، وبمعنى آخر أن أميركا تخلت بذلك عن حلفائها السُّنة.
ويخشى المالكي، الذي استخدم النفط العراقي لتأسيس حركة شيعية عراقية، من أن يكون الشيعة العراقيون المؤيدون لإيران يعتزمون إزاحته جانباً.
وبهدف تحطيم صورة "المالكي" كرجل استعاد الاستقرار في البلاد، أعطت إيران الضوء الأخضر لحليفها السوري بشار الأسد للسماح بعبور الانتحاريين إلى الجارة العراق؛ ما أدى إلى مقتل المئات من المدنيين.
وللتعويض عن خسائره السياسية، ولترسيخ مكانته كزعيم شيعي قوي، قام "المالكي" بشن حملة ضارية ضد السُّنة العراقيين، سواء كانوا داخل الحكومة أو القوى القبلية التي تركتها أميركا وراءها.
وبعد يوم واحد من الانسحاب الأميركي، أرسل المالكي الدبابات لتحيط بمقر نائب الرئيس السابق طارق الهاشمي (سنّي)، بتهمة الإرهاب، كما لاحق ميليشيات "الصحوات" وقادتها، ملفقاً إليهم التهم.
حزب البعث
وبما أن "القاعدة" كانت هي القوة الوحيدة القادرة على مواجهة سلطة المالكي، توجه العديد من كوادر نظام صدام حسين السابق للانضمام إليها، تاركين وراءهم معتقداتهم البعثية العلمانية، ومقبلين على "الراديكالية" باعتبارها فكراً قابل للتسويق في الوقت الراهن.
وفي حين أن معظم العالم اعتبر "داعش" امتداداً لـ"القاعدة"، أدرك العراقيون الشيعة أنها في جوهرها ليست سوى قشرة لجماعة بعثية أخرى تعرف باسم "داعش".
ومن اللافت أن قادة "داعش"، ومن ضمنهم أعضاء من حزب البعث المنحل، حافظوا على علاقات طيبة مع شبكات الاستخبارات التابعة للأسد، وهي حقيقة قد تفسر العلاقة غير العدائية بين الأسد وداعش، ومصالحهم المتبادلة في إنتاج النفط والغاز بأراضي سيطرة داعش، وبيعها لنظام الأسد.
وفي جميع البيانات والخطابات الصادرة عن المسؤولين العراقيين، يطلق على مقاتلي داعش اسم "الدواعش البعثيين".
وبدا من طريقة حكم داعش للمناطق التي تسيطر عليها، أنها تستمد إلهامها من سياسة "صدام" لا من تنظيم القاعدة.
مثل صدام، منعت داعش الأشخاص الذين يعيشون تحت سيطرتها من السفر، وحظرت أطباق الأقمار الاصطناعية، كما قامت بقطع أيدي أي شخص يستخدم عملة أجنبية بدلاً من عملتها المحلية.
وأخيراً، وكذلك مثل صدام، أثار داعش غضب التحالف الدولي الذي شن حملة مكثفة ضدها، إلا أن مقاتلي داعش أظهروا مقاومة كبيرة في وجه القوات العراقية، عكس مقاتلي صدام، الذين سرعان ما استسلموا أو هربوا إلى المنفى.
وبعد سقوط صدام، دخل العراق في صراع مميت، كان سببه تغذية الشيعة للطائفية وأعمال العنف والانتقام المرتكبة بحق السُّنة، وصولاً إلى استعادة الشيعة أراضي داعش، الأمر الذي يعتبره السنة أنه أكبر عملية توسعية للنفوذ الشيعي في المنطقة.
وبالعودة إلى التاريخ القديم والمعاصر، نرى أن النعرات الطائفية والأعمال الانتقامية لا تشفي الجراح القديمة؛ بل تعّمقها وتمهد الطريق للمزيد من العنف المستقبلي، وبناءً عليه دعا تاونسند الشيعة العراقيين إلى التصالح مع السنة، وهنا يكمن السؤال: هل الشيعة كانت ستستجيب فعلاً لهذه النصيحة أم لا؟
وبدعم من التحالف الدولي لمحاربة داعش، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، بدأت القوات العراقية، في 17 أكتوبرتشرين الأول الماضي، حملة عسكرية لاستعادة الموصل، بمشاركة نحو 100 ألف من القوات العراقية وفصائل شيعية مسلحة وقوات الإقليم الكردي، المعروفة باسم "البيشمركة".
هذه القوات استعادت الشطر الشرقي كاملاً من المدينة، في 24 يناير/كانون الثاني الماضي، ثم بدأت في 19 فبراير/شباط، حملة استعادة الشطر الغربي.
وفي 10 يوليو/تموز الجاري، أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، رسمياً، تحرير الموصل كاملة من داعش، بعد معركة استغرقت قرابة 9 أشهر، وأدت إلى الكثير من الخسائر البشرية والمادية، ونزوح أكثر من 920 ألف شخص.
الأناضول